يتواصل عقد المؤتمرات والندوات العلمية الأممية لبحث سبل تدارك التدهور البيئي وتفاقم تداعيات ظاهرة التغير المناخي الكارثية، وفي هذا السياق دعت منظمة الأمم المتحدة لتنسيق دولي عاجل للتصدي لتبعات تغير المناخ على صعيد تقلص الجليد البحري وذوبان الأنهر الجليدية، والتغيرات السريعة والدائمة أحيانا في الغلاف الجليدي.
وبإجماع الدول والأقاليم الأعضاء في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية البالغ عددها 193 في جنيف، رفعت المنظمة موضوع الغلاف الجليدي ليصبح أحد أولوياتها العليا، نظرا للآثار المتزايدة لتناقص الجليد البحري، وذوبان الأنهار الجليدية، والصفائح الجليدية، والتربة الصقيعية والثلوج على ارتفاع مستوى سطح البحر، والمخاطر المتعلقة بالمياه، والأمن المائي والاقتصادات والنظم الإيكولوجية.
وذلك خلال المؤتمر العالمي للأرصاد الجوية، وهو أعلى هيئة لصنع القرار في منظمة (WMO)، الذي عقد من 22 ايار إلى 2 حزيران في جنيف بسويسرا، وركز على سبل معالجة تفاقم تبعات الاحتباس الحراري، ولا سيما على أمن العالم المائي، والتي تطال الجليد البحري والأنهار الجليدية والجليد القطبي.
وقرر المؤتمر الدعوة لإجراء دراسات وتنبؤات أكثر تنسيقا، وتبادل البيانات، والبحوث، والخدمات، وزيادة الأنشطة بين الدول الأعضاء، مع زيادة التمويل من الميزانيات والتمويل من خارجها.
وأشار الأمين العام للمنظمة بيتيري تالاس، في بيان إلى أن “قضية الغلاف الجليدي موضوع ساخن ليس بالنسبة للمنطقتين القطبيتين فقط، بل قضية عالمية”.
وأعرب مندوبون من جميع أنحاء العالم عن قلقهم من تأثير ما يحدث في المنطقتين القطبيتين والمناطق الجبلية العالية على العالم بأسره، ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة والمناطق الساحلية المكتظة بالسكان.
مليار نسمة في خطر
وأشارت الناطقة باسم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، كمثال إلى أن أكثر من مليار شخص يعتمدون على المياه التي تأتي من ذوبان الجليد والأنهار الجليدية، وعندما تختفي تلك الأنهار: “فكّروا في ما سيحدث لأمن إمدادات المياه لهؤلاء الناس”، حسب تعبيرها.
ويحذر خبراء بيئيون من أن الوقت قد تأخر وربما يكون قد فات، وأنه على الأمم المتحدة السعي لفرض برامج وسياسات بيئية صارمة وملزمة حول العالم، تراعي حماية التوازن البيئي والطبيعي والتحول نحو الطاقة المتجددة، وبما يقود لتخفيف وطأة كارثة التغير المناخي المتفاقمة على الأمن المائي والغذائي لسكان كوكب الأرض.
يقول الخبير البيئي وعضو الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة أيمن قدوري، ان “هذه الدعوة الأممية للتصدي لتبعات تغير المناخ، التي تؤثر على مساحة الجليد البحري في قطب الأرض الشمالي متأخرة جدا، خصوصا بعد فقدان الجليد البحري ما يقارب 70 بالمئة من مساحته خلال العقدين الماضيين”.
ويضيف، ان “السنوات الخمس الأخيرة كانت الأقسى قياسا بارتفاع حدة تأثير التغير المناخ وتسارع عملياته، وهذا ما أثبتته الدراسات العلمية في أوروبا وتحديدا بالسويد والنرويج”.
واشار الى، ان “ذوبان الجليد البحري بالقطب الشمالي يهدد الأمن المائي لدول أوروبا الشمالية كافة، حيث يعتمد ما نسبته 60-70 بالمئة من الشمال الأوروبي على ذوبان الجليد البحري لتزويد مجاري المياه في دوله بالمياه العذبة، وبالتالي هذا الذوبان سيخلق في بداية الأمر أزمة شحة بالمياه العذبة بعيدة المدى، ومن المرجح أن يتزامن الذوبان مع جفاف ومواسم شتوية شحيحة من حيث هطول المطر”.
وتيرة مفزعة
بحسب دراسة نشرت في مجلة Nature Communications عام 2020، فقد القطب الشمالي ما يقارب 45 مليار طن من الجليد، في كل سنة من السنوات ما بين 2000-2010، ثم ارتفعت وتيرة الذوبان في العقد اللاحق ليصل مستوى الذوبان إلى 52 مليار طن من الجليد في كل سنة من السنوات ما بين 2010-2020.
هذا الذوبان المتسارع ساهم برفع مستوى سطح البحر بما يقارب 3.5 سنتيمتر، وهذا الاستنتاج بمقارنة السجلات المناخية للمنطقة، يلاحظ أن سبب تسارع الذوبان هو ارتفاع درجة حرارة المنطقة بما يقارب 9 درجات مئوية، عن عصر ما قبل النهضة الصناعية.
البصرة في خطر
وهكذا فالحالة التي وصل لها جليد القطبين الشمالي والجنوبي، باتت تنذر بقرب وقوع كوارث بيئية تصل لاختفاء مدن ساحلية منخفضة وضعت على لائحة الغرق بحلول نهاية القرن الحالي، من أبرزها أمستردام عاصمة هولندا، وكاليفورنيا في أميركا والبصرة بالعراق.
على مستوى الدول المهددة بالغرق تأتي اليابان والدول الجزرية الصغيرة على رأس القائمة، كنتيجة طبيعية لارتفاع مستوى سطح البحر عند ذوبان جليد القطبين إلى 25-45 سنتيمتر بحلول عام 2100.
ما هي الحلول ؟
لا سبيل لمحاولة تدارك تحقق هذه السيناريوهات الكارثية، سوى عبر معالجة مسببات التغير المناخي، وأبرزها هجر مصادر الطاقة التقليدية والتحول نحو الطاقة النظيفة، فضلا عن الشروع بمعالجة آثار التغير المناخ واعادة المساحات الخضراء وتوسيع رقعتها، لتعمل بدورها على استصلاح المناخ الأرضي وبشكل عاجل.