You are currently viewing الذكرى تنفع المؤمنين

الذكرى تنفع المؤمنين

عبدالامير العبودي

الذكرى تنفع المؤمنين :
—————————
يقول احد منفذي احكام الاعدام في ابي غريب ايام حكم البعث، انهم كانوا يبلغون المحكومين (الاسلاميين ) قبل يومين من تأريخ تنفيذ احكام الشنق ، ثم يسترسل فيقول: حينها يبدأون بالاستعداد للموت بطريقة غريبة، فيغتسلون – على ان الماء لم يكن متاحاً لهم الا القليل- ثم يشرعون بالانشاد وقراءة القرآن والبكاء على الحسين واللطم الذي نسمع اصواتهم من خلاله في غرفنا البعيدة المصطفة في بداية قاعة التنفيذ.. وكان وقت تنفيذ احكام الاعدام فجراً من يومي الاحد والاربعاء او الاثنين والخميس ، في تمام الساعة الثالثة فجراً فتحنا باب الزنزانة العملاق عليهم وكان معتقلهم كالعادة مطفأ الاضاءة تماما فلم يكن لكل المحكومين بالاعدام اي مصباح او مصدر ضوء، فاليوم ينتهي عندهم حين حلول الظلام مع صلاة المغرب ، يقول : نسمع في كل مرة بكاء الباقيين ممن لا يُنفذ بهم الاعدام في هذه المجموعة – حباً وتعاطفاً مع رفاقهم الذين سننفذ بهم – ويستطرد هنا معبراً عن دهشته : اننا كنا ننهال عليهم بالشتم والضرب (بالبواري والتواثي الغليضة) بشكل عنيف وقاسي ، ولم نكن نعلم لماذا تطلب منا ادارة السجن ذلك على الرغم ان هؤلاء سينفذ بهم حكم الاعدام بعد دقائق، وبعد ان تتكسر اطرافهم وتسيل الدماء من وجوههم ،هنا يندفع عادةً المحكومين بشكل بطولي امامنا دون وجل او خوف او تردد او انكسار من الموت، غير ان بعضهم وهم يرددون الايات والادعية كان يتمنى ان يكون اخوته واهله حاضري هذه الدقائق ليكونوا قربهم يحتضنونهم ويوصون لهم ، كانوا يعلمون ان جثامينهم لا تصل لاهليهم فكانوا يكتبون باي الة او عود خشب او ثقاب اسماءهم على بعض ثيابهم البالية المهترءة، كانت اجسادهم نحيلة جداً وأوزانهم خفيفة حدًّ ان بعضهم لا يموت عند التنفيذ به ، فيبقى يرفس في الحبل لخفة وزنه فلا تنجح العملية إلا حين نقوم بالتعلق بجسده من اسفل مقصلة الاعدام ، ينزفون بعض الدماء من انوفهم ، اما الباقون الذين ينتظرون فهم بين قارئ للقران بطريقة سريعة وآخر يهتف ممنياً نفسه بالجنة والشهادة، نصحني احدهم بالتوبة وقال لي: انا احبك في الله ولكن عليك التوبة ، حين نكمل صف الجثامين بعضها فوق بعض ، يحملهم عمال الخدمة في احواض سيارات الحمل لارسالهم حيث تأمر قيادة السجن ، فهم بالعادة يدفنون في مقبرة جماعية او مقابل امانة بغداد، واحياناً يسلمون لاهلهم، يرفض اصحاب سيارات الاجرة خارج السجن بحملهم على سياراتهم لاسباب كثيرة، بعضهم كان يعدهم من الخونة، فيضطر بعض اهالي المعدومين الى نقلهم بسيارات نقل كبيرة بعد ان يشترك مجموعة منهم بسيارة كبيرة نحو مقبرة السلام في النجف الاشرف.. السلام على عظماء الجهاد وأوتاد الجنة …