You are currently viewing تومان البصري

تومان البصري

اسم لا يغيب
عن ذاكرة البصرة

 

(((((((( تومان ))))))))

2 Man
…………………. …..
توأم روح البصرة
ونكهة كل جميل
كان فيها
….. حسين العطيه ….
٧ / ٤/ ٢٠١٧

هذا الرجل الرائع والفنان ذو الوجه الابنوسي الأقرب إلى رائحة الحناء والكاري وساحات الدواليب والكسلة والسينمات

رقصاته …
فولكلور مزيج من الهيوه والخشابه وحركات المصارع محمد بهلوان

لم يستعن بالسلة والافعى أو الدف والقرد المجنون

سلاحه
مزمار ( الفيفرة ) يعزف فيها من روحه في أنفه انغاما جلت الهموم وسحرت الإنس إلى اليوم
… حسين العطيه ….

يقال ان تسميته (تومان) جاءت من قبل احد الهنود الذين كانوا يأتون إلى البصرة بواسطة اللنجات لما رأى رقصاته البهلوانية أطلق عليه إسم تومان ويعني إنه عن رجلين بالانكليزية( Two Man)
ولكن من المؤكد إن تومان هو إسمه الحقيقي وليست كنيته سيما إن هنالك أسماء شبيهة له في مناطق مختلفة من العراق
تعددت الأسماء وتومان واحد !!

كان منضويا لجيش الليفي.. وهم كانت ملابسهم انيقه… ومشهورون بالقبعة البيجي او ما نسميه الخاكي مطوية احد جوانبها وريشة تعلو هذه الطوية
وما سمعته يوما عن تاريخ حياته انه كان جندي بالحرس الملكي العراقي ويلعب كرة القدم .
وبعد ١٤ تموز ١٩٥٨ أصبح عاطلا عن العمل لكنه نجح في بث الإعلان لأفلام الخمسينات حتى موت السينما في العراق

كان فنانا شعبيا متميزا والغريب هو طريقة عزفه من الانف والصعبة جدا.. لكنه مسيطر ببساطة غريبة . اسم هذه الآلة .. في البصره تسمى ( الفيفرا) وليست ماصول.. وهي نوع من آلات النفخ في مجموعة الناي المصنع من القصب الفارسي فقط.. الذي ينتشر في البصرة وضواحيها من البساتين
وما أثارني به هو قدرته العزف على ” الفيفرة” “الناي” … يخرج الصوت منها قوي وواضح جدا …
ومن مميزاته كان لا يعزف الأغنية كاملة مما يجعل اشتياق الناس يزداد اجمل ما عزفه يوما أغنية لفريد الأطرش ” ما قلي وقلتلو”

حين زار عد الحليم حافظ البصرة مع سعاد حسني لافتتاح فلم لهم بالبصرة قدمه احدهم لعبد الحليم وعزف أمامه وتعجب حليم وانبهر من طريقة عزفه …

. فنان فعلا كان يدخل السعادة لدى البصريين.. بخفة دمه ودماثة أخلاقه . الابتسامة لا تفارق وجهه.. وقد خلده الشاعر الاستاذ الدكتور ثابت بأغنية تومان لحنها الفنان الكبير طالب غالي.. اسم لن ينساه من عاصره..

في سنة 1960 م تلقى عرضاً للعمل في الأفلام المصرية من قبل الممثل المصري الكبير يوسف وهبي أثناء زيارة الأخير للبصرة بمناسبة عرض فلم( حسن ونعيمه ) في سينما الرشيد لكن تومان رفض العرض مفضلا البصرة والوطن

مثل في أحد الأفلام العراقية ( بصره الساعه 11 )
…. حسين العطيه ….

كانت مهمته الدعايه للأفلام وبخاصة في الأعياد

كان يقوم بأداء رقصات طريفة والعزف بانفه في الناي أمام يافطة العرض للافلام التي يحملها شخصان يسيران خلفه

ولاننسى الصبية الذين كانوا يوزعون الإعلانات الصغيرة المطبوعة لكل سينما في الاماكن والطرق المزدحمة وموقف باصات المصلحة تحت عمارة النقيب في العشار والتي تحمل لقطات من الفلم الذي يجري عرضه وأسماء الممثلين وفيما إذا كان الفلم سكوب بالألوان أو عكسه … كانت أيام

وكان وقوف تومان علىٰ جسر ( المغايز ) وقيامه بحركات تخيف النسوه و تبهج الجميع حتى قيل عنه بأنه
فانوس جسر المغايز ورنين ساعةسورين

قال شاهد عيان اتذكر في احد المرات نهاية الستينات او بداية السبعينات كان تومان مع مجموعته ويافطة أحد أفلام سينما الحمراء واقفين في سوق حنا الشيخ تماما مقابل الجسر. وكان كعادته يغني ويعمل حركات راقصة للمارة. فجاءت امرأة شابة برفقة زوجها ،الذي تبين فيما بعد انه رجل امن ،وكعادته ايضا عمل حركة راقصة اخافت الزوجة ،فقام زوجها بصفع تومان وعندما لامه الناس قال :
لا احد يتدخل ،هذا لازم يتأدب. عندها قال تومان كلمة لازالت تتردد في مسامعي وهو يتحسس أثر الضربة ودموعه تصب ،قال مخاطبا الضابط ما معناه :
(انا الكويتيين عرضوا علي راتب مجزي وعروض مغرية أخرى حتى اذهب اعمل عندهم ،ورفضت لاني احب البصرة ، تجي انت تضربني) واخذ يبكي بحرقة.

وكان لدى البصريين شعار …
من لم يلتقي تومان في العيد لم يعرف طعم العيد …
….. حسين العطيه …..

ولم يتوقف عن عزفه ورقصاته البهلوانية حتى في فترات القصف التي كانت تتعرض لها البصرة أثناء الحرب في الثمانينات

وما يحصل عليه من دراهم كان يصرفها في المطاعم والمشارب والمقاهي

ثم يعود ويختفي في الأحياء الشعبية ليلا ليجتمع مع اخويه أحدهما عريف عسكري متقاعد أسباب صحيه كان لاعب كرة قدم في الجيش إسمه عريف حسن والثاني واسمه بندق كانت نهايته مؤلمة إذ مات غرقا وهو يسبح في شط العرب
كانوا يجتمعون مع أصدقائهم في بيتهم المبني من القصب والطين في محلة الساعي بين ساحة أم البروم والجسر الأحمر أو في بيت آخر من أصدقائهم يغنون ويتسامرون كان تومان دائما يردد
( لو ضاع إسمك گول الساعي)

وكان تومان واخويه غير متزوجين …
….. حسين العطيه ….

كما كان تومان يشارك الكسلة في أعياد النوروز مع مجموعة يركبون سفينه ( مهيله ) في شط العرب مساء مع الخشابه يغنون ويرقصون والسفينة تغدو ذهابا وايابا
وعند الغروب يلقي تومان نفسه في الماء ويغوص ويصيح الجمهور المجتمع على الكورنيش :
تومان غرك .. تومان مات ..
وبعد عشر دقائق يظهر تومان بين استغراب وهتافات الجمهور
…. حسين العطيه ….

كانت ألوان ثوبه المزركش ايحاء عفوي بريء منه للناس بالفرح والبهجة التي يعكسها داخله كنور الشمس الساطع في رابعة النهار ذلك الداخل الذي يهبط نوره ليلا لينزوي وحيدا حزينا بعد أن جاهد ليبذل للآخرين كل مافي داخله المسحوق لذلك كان تومان يعطيك وجهه المشرق لتسعد به ويحتفظ في داخله لنفسه بوجهه الآخر الحقيقي المسحوقة إنسانيته في عالمه الداخلي الخاص به
لقد رسم تومان ببساطة شخصية ستبقى مثار للجدل بأصدق صورة
كان ايقونة البصرة
عاش فقيرا متعبا يهدي الفرحة والابتسامة للآخرين دون مقابل رجل يعطي ولايأخذ مقابلا
قضى أيام يجلس أمام نادي الفنانيين . كان انسان مثقف ورائع وكان يكتم ما يعانيه من الم وقال كلمة حين ساله احد طلاب الفنون الجميله عن الفن قال :
(هنا اما تكون فنان منافق أو تجهل مستقبلك مثل حالي .)

شوهد تومان في أيامه الاخيره يعتكف وحيداً قرب الأسواق المركزية أو في ساحة أم البروم فاقد البصر والوعي وقد انهكته الأيام

توفي في الناصرية سنة 1995 وهو من مواليدها تاركا ذكرى جميلة في قلب كل بصري عاصر تلك الفترة
حيث كان تومان يمثل الوعي الجمعي البصري الدليل إلى الفرح والمتعة ولن تتكرر شخصية تومان ثانية في مجتمع صار يدمن الاكتئاب

كما بقيت روحه هائمة على ضفاف شط العرب ونهر العشار
وبين أرصفة الشوارع والمقاهي والمشارب ومن بقي عالقا من سمار آخر الليل في ساحة أم البروم

نثرت أنغام مزماره أيقونة َلحن ٍجميل …

ورثاء مدينة تحتضر حيناً وتصحو حيناً أخر …

حرّكت قصته أمواج من تيارات عاطفية ضائعة في قرار ذلك الشط المتعب …!

فتلاطمت ذكريات بين أزقة وحارات …
ودمعات أسىً … وضحكات ….

فأيُ عشق كان يحمله ذلك ألاسمر .. !

وأيُ لحن أحيا ألاموات

رحم الله تومان لقد كان من أعقل المجانين

إلى روح تومان الفقير
اهدي هذا الرثاء الفقير

……………. حسين العطيه ……
٧ / ٤ / ٢٠١٧