You are currently viewing مستقبل البصرة

مستقبل البصرة

لفت نظر ورجاء

نود توجيه عناية القارئ الكريم إلى إن معظم ما ورد في هذا الفصل هي مواضيع لم يسبق بحثها في أي بحث أو كتاب سابق ، وانما هي أبحاث وأفكار جديدة ، يتطرق لها الباحث أول مرة ويضعها أمام أصحاب القرار والمصلحة من رجال السياسة أو الأعمال للاستفادة منها في المستقبل ، وفي ظل أية حكومة تريد أن تنهض بالمستوى الاقتصادي للعراق ككل ولمحافظة البصرة بشكل خاص .

إن ما تم التحدث عنه يرجى أن لا ينظر إليه بأنه تعصب من الباحث إلى مدينة البصرة ، ولكنه خص البصرة بهذا البحث الذي قد ينطبق معظمه على كل محافظات العراق الأخرى ، بل يكون مناسباً ايضاً حتى للدول المجاورة ، وقد كتب وما زال يكتب أبحاثاً هندسية واقتصادية حول محافظات أخرى ، وعن العراق ككل ، والمنطقة العربية والإسلامية بشكل عام لان الجسد إذا اشتكى جزء منه بالمرض تداعى له باقي الجسد بالسهر والحمى . ولكنه قدم البصرة هنا لانه يعلم من وضعها اكثر مما يعرفه عن بقية المحافظات ، ولان ذلك يعتبره بعض من الولاء والوفاء للام التي احتضنته وعاش ودرس وعمل بين أحضانها .

إن ما ورد في هذا البحث ليس مجرد أمور نظرية أكاديمية ، فالباحث ليس رجل اقتصاد أكاديمي ، وانما هو يبحث في قضايا عاشها وأحس بها خلال حياته العملية هناك ، وقارنها بتجاربه ومشاهداته ودراسته في المهجر ، واثناء تنقله من بلد إلى بلد لغرض السياحة أو العمل ، وقد ربط التاريخ بالمستقبل ، والحاضر بالماضي ليخرج بنتائج هذه البحوث .

 ونظراً لان اغلب هذه الأفكار والأبحاث هي تصورات ودراسات جديدة وغير مطروقة من قبل ، وبالرغم من إنها تستند إلى أسس علمية وتاريخية ، ولكنها لم تجرب على ارض الواقع بعد ، لذا فانه يرحب بأي نقد بناء أو وجه نظر مقاربة أو مخالفة لما ورد في هذه الأبحاث ، لتحقيق الهدف الأسمى ، وهو بناء العراق المستقبلي ، إنسانا واقتصاداً وحضارةً ، ويشكر من يتجشم عناء الاتصال به مع كل تقدير ، وعلى العنوان التالي  :

البريد الإلكتروني : h.salih@totalise.co.uk

رقم الهاتف : 004 – 20 –  8255  0213

الباحث : د. حامد هادي صالح .

مدينة المستقبل

تميزت البصرة بميزات جعلت منها مدينة مهمة وعلى طوال تاريخها ، وتلك العناصر التي وضعتها كواحدة من أهم مدن العالم ما زالت قائمة ، بل أضيفت لها عناصر جديدة أوجدتها المتغيرات في عالم التكنولوجيا والتطور الصناعي الحديثين ، فالموقع الجغرافي للبصرة والتي تشكل مناطقها المنافذ البحرية الوحيدة للعراق ، وبوابة العراق على الخليج العربي ودوله ، بالإضافة إلى إنها تقع على مفترق الطريق البري الذي يربط العراق بإيران ودول آسيا ومشرق العالم الإسلامي من ناحية ، بشبه الجزيرة العربية  ومنطقة الخليج وبلاد الشام من ناحية ثانية . هذا من حيث استراتيجية موقعها أما الثروات الطبيعية المتوفرة فيها ، كالنفط والغاز الطبيعي ، والنخيل وشبكات انهار شط العرب والاهوار ، كل ذلك سيؤهلها مستقبلاً لتحتل مركزاً عالمياً مرموقاً في التجارة والصناعة والزراعة والسياحة .

المدينة السياحية

لقد أصبحت السياحة صناعة خاصة وركن مهم من أركان اقتصاد دول العالم ، فقيرها وغنيها ، بل إن هناك بعض الدول التي تعتبر دولاً ثرية تعتمد أساساً على السياحة . والعراق يحتل موقعاً سياحياً عالمياً لم يستغل بعد ، يؤهله أن يكون أحد أهم الدول السياحية في العالم ، فهو يملك اكبر واقدم رصيد آثاري حضاري في العالم وبدون منازع في السياحة التاريخية ، ويملك العدد الأكبر من المواقع المقدسة في العالم تجعل منه أحد اكبر الدول السياحية للأغراض الدينية ، كما ويملك المناطق الطبيعية المتباينة والتي يكون بعضها نادراً وتستثير الكثير من السياح بمشاربهم وأذواقهم المختلفة ، من المنطقة الشمالية الجبلية التي يمكن أن تكون مصائف جميلة ومناطق للتزحلق على الجليد في الشتاء ، إلى مناطق الجنوب والاهوار ونخيل شط العرب ، إلى الصحارى ذات الهواء النقي والشمس الساطعة والهدوء الذي ينشده الكثير من السواح ، والتي يمكن أن تكون كذلك نواة سياحة الصيد أو الاسترخاء والى آخر القائمة .

وحيث أننا سنتكلم في هذا البحث عن البصرة ، والتي تمثل الجزء الجنوبي من العراق ، فسنركز على الأسس السياحية لهذا الجزء ، استناداً إلى دراسات علمية تم اعتمادها ، وأسباباً منطقية سنقوم بسردها ، وكيف يمكن أن تجعل من البصرة منطقة سياحية عالمية وعلى الأخص في فصل الربيع والشتاء والخريف !

المشتى العالمي الأول :

بالرغم من أن البصرة ليست من المراكز الدينية ، كما وان المعالم الأثرية فيها ليست الأهم في العراق أو المنطقة ، ولا تصلح أن تكون مصيفاً ، لحرارة الجو فيها في فصل الصيف ، ولكنها تملك بعض المناطق الطبيعية الجميلة ، القليلة الوجود في بقاع العالم الأخرى ، والتي تؤهلها لتصبح أحد أهم المشاتي في العالم ، كما تملك الكثير من المؤهلات الأخرى ، من جو صحو ومعتدل معظم أيام الخريف والشتاء والربيع  وغير ذلك مما سنأتي عليه ، ولعل أهم المناطق الطبيعية التي يمكن الاستفادة منها في السياحة وكما يعتقد الباحث هي :

1 .منطقة الاهوار في شمال البصرة : كانت منطقة اهوار العراق تعتبر واحدة من أهم مناطق الاهوار بالعالم ، وقد تكون الأفضل بدون منازع ، فهي تجمع بين جمال الاهوار الطبيعي وما ينمو فيها من نباتات غريبة نادرة ، وما يعيش بها من الكميات الهائلة والمنوعة من الأسماك ، والتي تعتبر من أجود الأسماك وأطيبها ، وما تعيش فيها من طيور مهاجرة تأتيها في مواسم مختلفة ، حيث تعتبر واحدة من المناطق المهمة في العالم ، إذ تقضي فيها الكثير من الطيور المهاجرة فترات تكاثرها ونمو صغارها ، وكذلك يوجد فيها الكثير من الطيور المقيمة ، هذا بالإضافة إلى أسلوب عيش الناس الفريد من نوعه ، وطريقة بنائهم بيوتهم وأسلوب حياتهم في الصيد وتربية الجاموس وما إلى ذلك .

تعيش كل أسرة أو كل مجموعة من الأسر على جزيرة صناعية من القصب والبردي يتم تكديسه فوق بعض حتى تتكون منه تلك الجزيرة ، ثم يتم بناء البيت من القصب ايضاً ، وعلى تلك الجزيرة العائمة . ويتمتع فيها كل شخص بزورقه (مشحوفه) المصنوع من البردي المطلي بالقار ، وهم يربون الجاموس الذي يعيش في الماء ويتغذى على نباتات البردي التي تنموا في ماء الهور ، وكذلك يمتهنوا صيد الأسماك والطيور التي تعيش داخل وخارج الماء . فالهور وما فيه من نبات وحيوان بالنسبة لهم كل عالمهم ، فمنه مأكلهم ومشربهم ومركبهم ومسكنهم .

إن هذه الاهوار يمكن أن تكون منطقة سياحية من الطراز الأول ، فالسائح في اكثر الأحوال يبحث عن جديد ليراه ، وهذه الاهوار فيها كل جديد ، الماء والقصب والبردي والتنقل بالمشحوف ، والجاموس العائم في الماء طوال الوقت ، والسكن ببيت من القصب في جزيرة عائمة ، بالإضافة إلى صيد السمك والطير وبعض الحيوانات البرية التي تعيش في الهور وعلى ضفافه . هذا بالإضافة إلى إن المنطقة تتمتع بجو دافئ وشمس ساطعة طيلة اشهر الخريف والشتاء والربيع .

إن إعادة الحياة إلى الاهوار التي تم تجفيفها ، ولتعود إلى سابق وضعها ، لهو من المشاريع المستقبلية لبناء السياحة في العراق وفي البصرة ، وبناء قرى سياحية من القصب عائمة فوق مياه الهور ، مع إدخال بعض الخدمات الضرورية إليها سيجلب مئات الألوف وربما الملايين من السياح .

لقد كان القضاء على معظم مناطق الاهوار يعود لاسباب سياسية ، ويمكن اعتباره من الأخطاء المؤلمة التي يجب إصلاحها ، وحيث انه تم اكتشاف الكثير من حقول النفط في المنطقة ، وللحفاظ على الوضع الأمني داخل الاهوار وعدم استغلاله من قبل القوى المعارضة في المستقبل ، كل هذه الأمور يمكن أن تؤخذ بنظر الاعتبار ، فمن المعقول استعادة أجزاء من الاهوار قد تصل إلى ثلثي المنطقة ، والاستفادة من الجزء الآخر في استخراج النفط وتعزيز أمن المنطقة ، إذ من الممكن إيجاد الوسائل العملية للسيطرة الأمنية إذا تم فصل بعض أجزاء الهور عن بعضها ، هذا بالإضافة إلى إمكانية الاستغلال الزراعي وتربية الأسماك لأجزاء من الاهوار .

إن القرى السياحية داخل الاهوار يمكن بناء بيوتها بالقصب وكما كانت تبنى البيوت الجيدة من سكان الاهوار ، وتكون عائمة على جزر صناعية من القصب والبردي ايضاً ، مع إدخال بعض التعديلات الفنية عليها والتي تقتضيها الحياة العصرية من التاسيسات الكهربائية والصحية وبطريقة لا تشوه أو تغير من طبيعتها (راجع بحث القرى السياحية داخل الاهوار) .

من الأمور الأخرى التي يجب الاهتمام بدراستها في منطقة الاهوار هو تطوير بعض أجزائها والاستفادة منه في تربية السمك أو زراعة بعض المحاصيل التي يمكن الاستفادة منها في الصناعة مثل زراعة نبات (البانبو)  والذي هو من فصائل القصب ، ولكنه كبير الحجم  وينمو بسرعة كبيرة ، وقد يبلغ قطره العشرة سانيمترات ، كما إن ارتفاعه قد يصل إلى اكثر من ثمانية أمتار ، ويتم الاستفادة منه في دول شرق آسيا في بناء البيوت وعمل السقوف ويسمونه خشب الفقراء ، كما يمكن الاستفادة منه في صناعة الورق .

2 .مناطق النخيل في شط العرب : تشير التقديرات إلى إن عدد النخيل في العراق وحسب إحصاء عالم 1956 كان بحدود  70 مليون نخلة ، منها 50 مليون في منطقة شط العرب فقط . وهذا الرقم يمثل 70% من عدد نخيل العالم ، بينما يساوي 75% من إنتاج العالم للتمور .

لقد اخذ هذا الرقم بالتراجع بشكل مستمر حتى وصل إلى 45 مليون نخلة عام 1975  والإنتاجية  هبطت إلى الثلث ما كانت عليه في 1956 . أما عدد النخيل في الوقت الحاضر فانه يخمن بين عشرة إلى عشرين مليون نخلة فقط ، كما وان معظم النخيل هو في حالة رديئة .

إن استعادة أعداد النخيل إلى سابق عهدها بزراعة أعداد منه بطرق تكنولوجية حديثة ، أصبحت أمراً ميسوراً ، فمن الممكن الآن زراعة اكثر من خمسون مليون نخلة جديدة ومن النوعيات الممتازة وخلال عقد واحد من الزمان إذا ما تضافرت الجهود لذلك .

تعتبر مناطق النخيل في شط العرب أحد اجمل المناطق في العالم ، ولا يدرك ذلك إلا من شاهدها قبل ثلاثة عقود من الزمن . ويمكن لهذه المنطقة أن تخدم الجانب السياحي بقدر ما تخدم الجانب الزراعي ، فكما ذكرنا سابقاً إن اكثر السياح يبحثون عن شيء جديد لمشاهدته ولزيارته ، وقد أصبحت المناطق الساحلية والبحار أماكن مألوفة وليس فيها من جديد تستطيع أن تقدمه للسائح ، بينما مناطق نخيل شط العرب هي أماكن فريدة من نوعها ، وفيها من عناصر الجمال ما لا نتمكن من إيجازه ببساطة هنا .

إن إنشاء قرى سياحية في وسط هذه البساتين سيجلب الكثير من السياح ليعيشوا هذه التجربة الفريدة بين انهار شط العرب وظلال النخيل على جانبيها ، والزوارق تجوب تلك الأنهار ، والجو الدافئ مع الشمس الساطعة لمعظم أيام الخريف والشتاء والربيع . كما وان كلفة إنشاء هذه القرى سوف لن يكون كبيراً ،(راجع مشروع المربع السياحي الزراعي السكني) .

3 .منطقة التقاء دجلة بالفرات في القرنة :  تعتبر المنطقة التي يلتقي فيها دجلة بالفرات عند القرنة من المناطق الرائعة الجمال ، وفيها شجرة تدعى (شجرة آدم) ، يقال إن الذي زرعها هو آدم (ع) ، ويقال أن نبي الله إبراهيم (ع) كان قد صلى تحتها ، ونحن لسنا هنا بصدد صحة الخبر وتدقيقه ، ولكن مثل هذه الأخبار تستهوي السياح الأجانب ، وهنالك الكثير من يود مشاهدتها ، ولا باس في ذلك ما دامت تستهوي الزائرين ، فمن يزور تركيا مثلاً يتعجب من كثرة قبور الأنبياء والصحابة والأولياء هناك ، علماً بأنه لا يوجد أحد من الصحابة قد وصل إلى تلك المنطقة ، لا زائراً ولا مجاهداً ، لان تلك المنطقة كانت تمثل الدولة البيزنطية ولم يحاول المسلمون من غزو البزنطنين في عقر دارهم إلا بعد انتهاء عصر الصحابة . ومن الجدير بالذكر إن شجرة آدم الأصلية التي تحدثنا عنا قد ماتت وبقي أجزاء من جذعها ملقى على الأرض ، ونبتت شجرة جديدة مكانها ، وقد تم بناء فندق سياحي في تلك المنطقة ومنذ عدة عقود ، مع مقهى جميل يطل على نقطة التقاء دجلة بالفرات تلك  . إن هذه المنطقة مرشحة أن تكون مكاناً ممتازاً لإنشاء قرية سياحية متكاملة ، فيها الفنادق والمطاعم وأماكن الخدمات التي يحتاجها السائح مع وجوب ربطها بمدينة البصرة بخط نهري سياحي ، وبزوارق سياحية إلى الاهوار ، بالإضافة إلى خط للحافلات (الباصات) السياحية .

4 .مصب شط العرب في الخليج العربي : يبلغ عرض شط العرب عند المصب في الخليج العربي قرابة الكيلومترين ، وتكون الأرض هناك في حالة تكوين مستمر بسبب الترسبات التي يخلفها النهر ، وكلما تكونت ارض جديدة سارع المزارعون إلى زراعتها بالنخيل ، لذا فان الناظر من النهر إلى تلك الأرض يجد النخيل على مستويات مختلفة من الارتفاع وعلى شكل طبقات . ويسقى ذلك النخيل من مياه شط العرب عند المد ، ونظراً لعدم إمكانية زراعة الأرض بشيء آخر غير النخيل ، لذا فانه يزرع بكثافة عالية للاستفادة من الأرض إلى أقصى حدود الاستفادة . كل هذا كان قبل الحرب العراقية الإيرانية ، أما الآن فان الباحث لا يعلم بالضبط ما حل بالمنطقة ونخيلها ، وعلى كل حال ، فإذا تضافرت الجهود فبالإمكان إصلاح ما تلف .

إن المنطقة المذكورة تتمتع بجمال طبيعي ساحر ، وفي الإمكان إقامة قرية أو قرى سياحية فيها ، فهي منطقة مختلفة قلما تجد لها شبيه ، كما وإنها يمكن أن تكون منطقة صيد للأسماك والطيور وبعض الحيوانات البرية التي تعيش بين غابات النخيل ، وذلك للسياح الذين يعشقون الصيد . كما يمكن أن تقام فيها رياضة الزوارق والتزحلق على الماء  ، ويمكن ربطها بالبصرة من ناحية وبمناطق الخليج العربي من ناحية أخرى بطرق نهرية وبحرية سياحية ، وبخطوط برية تستخدم الحافلات السياحية .

  1. المنطقة الصحراوية: تتمتع الصحاري بهواء نقي منعش  يدفع إلى النشاط والحيوية ، وشمس ساطعة ، وحيث إن هنالك مناطق صحراوية تقع إلى الغرب من مدينة البصرة (راجع القرية السياحية الصحراوية) ، لذا فان من الممكن الاستفادة منها في إقامة محميات للحيوانات البرية المهددة بالانقراض ، كالغزال مثلاً ، وبالإمكان إعادة بعض الحيوانات التي كانت تعيش في صحاري العراق وانقرضت في فترات ماضية ، كالنعام والمها ، كما انه من الممكن أن يتم إطلاق بعض الخيول والجمال فيها لتعود إلى الحياة البرية بعد عدة سنوات ، والتي ستمكن العلماء والباحثين من دراسة غرائز هذه الحيوانات بوضعها البري .

للحفاظ على هذه المحميات ، لا بد وان تكون محمية بسياج يمنع دخول الدخلاء إلى داخلها وخروج تلك الحيوانات إلى الخارج ، كما تحفر بعض الآبار فيها لزراعة بعض الحشائش بطريقة الرش ، وزراعة بعض الأشجار في أجزاء متفرقة من المنطقة ، كأشجار الأثل والسدر لتضفي مزيداً من الجمال على المنطقة وتوفر بعض مناطق الظل ، وتضمن وسائل العيش للحياة البرية .

هذه المحميات يمكن أن تكون مناطق سياحية حيث يتم إنشاء مجموعة من الفنادق مع المسابح والمطاعم وما تحتاج المنطقة السياحية من خدمات ، كما تنشأ إسطبلات للخيل والجمال للقيام برياضة ركوب الخيل والجمال ، هذا عدا كونها ظاهرة حضارية في الحفاظ على البيئة . وقد يكون من الصعب على القاري الكريم أن يتخيل كيف يمكن أن تكون الصحراء مناطق سياحية ، إلا إن من زار مناطق الأثل قرب البصرة سيدرك ذلك بسهولة .

من الممكن السماح لبعض عمليات الصيد إذا ازدادت أعداد تلك الحيوانات عن الحد الذي تستوعبه تلك المحميات (راجع بحث القرية السياحية الصحراوية) ، فتكون مناطق صيد ايضاً ، علماً بان بعض مناطق الصيد في العالم تتقاضى مبالغ كبيرة من السياح لقاء عملية الصيد تتراوح بين  1,000 – 5,000  دولار لصيد الغزال الواحد على سبيل المثال . وقد لا يعني الصيد دائماً قتل تلك الحيوانات ، فمن الممكن صيدها بطرق غير قاتلة ثم إعادتها إلى البرية ، كما يحدث لكثير من هواة الصيد عندما يصطادوا السمك ثم يعاد إلى الماء بعد أن يلتقطوا بعض الصور مع صيدهم .

ستكون تلك المراكز السياحية الصحراوية محميات لبعض الحيوانات من الانقراض ، ومصدات لتحرك رمال الصحراء ، والتقليل من العواصف الرملية ، وستجلب الكثير من السياح الذين يحبون الاسترخاء تحت الشمس أو ممارسة رياضة ركوب الخيل أو الجمال أو الصيد ، كما وستكون محط اهتمام المصورين السينمائيين ، والباحثين عن الحياة والأحياء البرية الصحراوية ، لتقديم أفلامهم لمحطات التلفاز المختلفة .

العوامل الأخرى التي تـؤهل البصرة سياحياً : بالإضافة إلى المناطق السياحية المميزة في البصرة فهنالك الكثير من العوامل الأخرى التي تساعد وتسرع وتؤهل من جعلها مركزاً سياحياً رئيسياً ومميزاً في الشرق الأوسط ، ومن هذه العوامل ما يلي :

  1. موقعها الجغرافي: لعل للموقع الجغرافي اثر كبير في وضع البصرة كمركز سياحي وكما سيلي :

أ . موقعها في راس الخليج : وتربطها بدول الخليج والسعودية شبكة ممتازة من الطرق البرية مما يسهل قدوم مئات الألوف وملايين السواح العرب إليها ، كما وتكون محطة للحجاج القادمين من آسيا إلى الأراضي المقدسة .

لقد بدأت فعلاً خطوط بحرية ونهرية سياحية تربط البصرة ببعض دول الخليج العربي ، وأصبحت تنقل الكثيرين من السياح إليها . هذا بالإضافة إلى وجود مطار حديث وجيد يمكن أن يربطها بدول العالم الرئيسية .

ب . وضعها كالجسر البري الوحيد :  تكون البصرة جسراً برياً وحيداً يربط بين دول الخليج والسعودية من ناحية ، وإيران والباكستان وشرق العالم الإسلامي من ناحية أخرى ، مما يجعلها محطة توقف وسياحة للمسافرين بين هذه الدول .

  1. اسمها التاريخي: يأتي اسم مدينة البصرة كأحد أهم أسماء مدن العالم الإسلامي في أيام الدول الإسلامية المختلفة ، مما يجعل الكثيرين يتوقون لزيارتها ورؤيتها والتعرف على معالمها .
  2. أخلاق أهلها: الذي لا يختلف عليه اثنان من الذين عرفوا المدينة وأهلها بان أخلاق أهل مدينة البصرة وحسن معاشرتهم وما يتحلون به من كرم الوفادة تأتي كأحسن مدينة معروفة ، وهذا سبب مهم إضافي لجلب الزوار والسياح إليها ، فالزائر قد يتحاشى الذهاب إلى مناطق يتميز أهلها بالحيلة والنصب أو العنف وانتشار السرقة ، بينما تتوق نفسه لزيارة المناطق التي يتحلى أهلها بحسن الضيافة والأخلاق ، ومن يأتيها مرة يحب العودة إليها .
  3. رخص الحياة وانخفاض الأسعار: السياحة هي صناعة كما نوهنا وحيث أن انخفاض الأسعار والأجور سبب رئيسي لنجاح الصناعة فهو سبب رئيسي لازدهار السياحة ونموها ايضاً ، والبصرة كأي جزء من العراق يتميز بانخفاض الأسعار والأجور .
  4. الأعداد الكبيرة من المهاجرين العراقيين: لقد شهدت مدينة البصرة موجات كبيرة من المهاجرين منها والى مختلف دول العالم خلال العقود الأخيرة لكثرة الكوارث التي تعرضت لها المدينة ، حيث كانت مركز العمليات العسكرية خلال الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الثانية ، والمعروف عن أهل مدينة البصرة انهم اكثر الناس حنيناً لمدينتهم ، لذا فان هناك عشرات بل مئات الألوف منهم من سيأتي لزيارتها سنوياً .
  5. السياحة المحلية: كما أن المناطق الجبلية هي الملاذ الذي يهرع إليه المصطافون العراقيون في فصل الصيف ، فان البصرة هي المشتى الرئيسي الذي يهرع إليه العراقيون في فصل الشتاء ، وقد شهدت فترة السبعينات من القرن الماضي نمو السياحة المحلية بشكل ملحوظ ، إلا إن ذلك تقلص بفعل الحروب والنكبات .

السياحة إحدى طرق الصناعة :

لقد اعتبر الاقتصاديون السياحة في الوقت الحاضر قد أصبحت أحد أهم الصناعات ، لذا فان قوانين الاقتصاد التي تسير الصناعة بموجبها يمكن أن تنطبق على السياحة ايضاً ، وهنالك نظريتان رئيسيتان في التعامل مع السوق في العالم وهما كما يلي :

       ¨         النظرية الأوربية الكلاسيكية القديمة : والتي تقوم بدراسة اقتصادية للسوق قبل القيام بعملية التصنيع والإنتاج .

   ¨    النظرية الحديثة : والتي سارت عليها اليابان وبقية دول شرق آسيا ، والتي تعتبر السوق موجود دائماً ولا يحتاج إلى دراسة مستفيضة وانما يجب دراسة المنتج (السلعة) قبل اتمام تصنيعها وإرسالها للسوق ، فالسلعة أما تنافس بقية المنتجات بجودتها ونوعيتها ، كأن يقدم للزبون نوعية أجود أو شكل اجمل أو هيكل امتن أو طريقة عرض افضل … الخ ، وإما تنافس بسعرها فتكون الأرخص مع المحافظة على الجودة وبقية العوامل .

بدراسة هاتين النظريتين يمكن لنا أن نقدم للسياح المختلفين الأذواق معظم ما يصبون إليه ، فالسائح القادم إلى البصرة سيتمتع بجو دافئ جميل في فصل الشتاء ، وأسعار رخيصة ، ومعاملة جيدة ، ومناظر خلابة لا توجد في معظم الدول السياحية الأخرى ، وما علينا إلا الاهتمام بمظهر المدينة وشوارعها ومشاريع صرف المجاري والأمطار وإنشاء المناطق السياحية والفنادق الجيدة .

الخطوات المطلوبة لجعلها المدينة السياحة الأولى في الشرق الأوسط :

لا يكفي تمتع أي منطقة بمواصفات ومؤهلات لتجعل منها مدينة سياحية ، بل هناك الكثير من الخدمات والمشاريع والإجراءات الأخرى كي تكون منطقة سياحية فعلية ، ومن ذلك ما يلي :

1 . تهيئة السكن المريح والكافي والمعقول للسائحين : ويتم ذلك ببناء مدن سياحية متخصصة يجد فيها السائح كل ما يحتاجه (على أن لا يتنافى مع القيم والدين طبعاً) ، ويشمل السكن الفنادق والشقق السكنية ، والبيوت .

يمكن بناء القرى السياحية في المناطق التي تم ترشيحها فيما قبل ، وهي كما ذكرنا : مناطق الاهوار شمال البصرة ، ومناطق النخيل في انهار شط العرب ، ومنطقة القرنة عند التقاء دجلة بالفرات ، ومنطقة مصب شط العرب بالخليج العربي ، والمنطقة الصحراوية غرب مدينة البصرة .

  1. إنشاء القرى السياحية المخصصة بيوتها للبيع: لعلها أحدى الطرق ، والتي قد تكون مستحدثة ، هو إنشاء قرى تشمل على بيوت سياحية تخصص للبيع ، حيث يمكن أن تباع بأسعار رخيصة نسبياً وتباع في التقسيط ، وفي نفس الوقت لا يسمح لأصحاب هذه البيوت باستثمارها في الإيجار ، وانما تكون لاستعمالهم الخاص فقط . والغاية من هذا المشروع هو جلب عدد كبير من السواح وبصورة مستمرة ، فالذي يشعر انه يملك سكن سياحي هناك فلا شك انه يفضل أن يذهب إليه كل عام ، بل ربما اكثر من مرة خلال العام الواحد ، لما يسهله له وجود البيت المؤثث من راحة وتوفير في المصاريف السياحية . أما من هم المرشحون لشراء مثل هذه البيوت فهم : المهاجرون من أهل البصرة إلى دول العالم المختلفة أولاً  ، وكذلك بعض الموسرين من العراقيين من أهالي المدن الأخرى والذين يودون قضاء أوقات راحتهم وإجازاتهم الشتوية في مدينة البصرة ، والكثير من سكان الخليج والمملكة العربية السعودية الراغبين بقضاء أوقات متكررة من السنة في هذه المدينة وعلى الأخص الذين ينتمون إلى أصول عراقية أو لهم أقارب في العراق (راجع المربع السياحي السكني الزراعي) ، وهذه البيوت المعدة للبيع سوف لن تكون منعزلة عن المدينة السياحية ، وانما ستكون جانب منها .

3 . العناية بمظهر المدينة وشكلها : لعل العناية بمظهر المدينة سيحتاج إلى جهود جبارة اكثر من بناء المدن والقرى السياحية بكثير ، حيث إن البصرة قد عانت من إهمال متعمد لعقود طويلة ، ومرت بويلات متتالية ، وكانت مسرحاً لحروب مدمرة خلال العقود الثلاثة المنصرمة . والزائر لمدينة البصرة يصعق عند الدخول إليها ، ويتبخر كل ما سمعه من عظمتها وتاريخها المجيد ، فالسيارة تسير ولأميال طويلة بين أكواخ وبيوت بدائية البناء تتخللها أكداس القمامة والمستنقعات الآسنة التي يلعب فيها الأطفال وتسبح فيها الحيوانات ، كما وان أحيائها الحديثة بنيت بطريقة عشوائية تفتقد إلى كل حس هندسي وذوق إنساني ، فهي عبارة عن مجمعات سكنية غير متناسقة ، تفتقد إلى الحدائق والساحات العامة ، والخدمات فيها غاية في التخلف ، فلا مجاري في معظم أحيائها ، ولا شوارع معبدة ولا أرصفة لسير المشاة ، ومعظم مدارسها بنيت بطريقة تفتقد إلى الأسس الصحيحة للتدريس ، بالإضافة إلى أن كل أربعة مدارس تشترك في بناية واحدة ، والخدمات العامة في المدينة لا تزيد عما تجده في أفقر واكثر دول العالم تخلفاً ، أما مراكز الترفيه فهي غير معروفة ولم يسمع بها أحد ، وقد تم إنشاء حديقتين عامتين في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي ، في أطراف المدينة إلا انهم سرعان ما حولوهما إلى مراكز خاصة للدولة والمسؤولين .

يعتبر النظام المركزي في بناء المدن العراقية هو السائد في البصرة ، فالخدمات ووسائل الترفيه القليلة كلها تتمحور حول المركز الرئيسي للمدينة بالاضافة إلى دوائر الدولة المختلفة ، أما الأحياء فهي محرومة من كل شيء ، لذا فمن أراد قضاء سهرة عليه الذهاب إلى المركز ومن أراد أن يستخدم تلفون عمومي عليه أن يذهب إلى المركز ومن أراد أن يدعو أحد الأصدقاء في مطعم عليه بالذهاب إلى المركز ومن اراد دفع فاتورة الماء أو الكهرباء عليه الذهاب إلى المركز . أما الأطفال فانهم لا يجدون ساحة للعب أو حديقة عامة ، كما لا توجد في المدينة غير مكتبة عامة واحدة ، وهي لا تسمح باستعارة الكتب منها ، ورياض الأطفال لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة ، ولم يتم إنشاء مسبح في المدينة بعد  … والى آخر القائمة .

إن إصلاح ما تم اقترافه من أخطاء بسبب إهمال الدولة لمسالة تخطيط المدن ، وهي التي تملك وزارة متخصصة لذلك ، وجهل المهندسين المسؤولين عن التخطيط بأبسط قواعد التخطيط ، سيلقي تركة ثقيلة على من سيأتي بعدهم ، وسيكلف مبالغ طائلة ما كانت لتنفق لولا سوء التخطيط الأولي ، وقد أكون غير مبالغ إذا قلت إن اكثر من 10% من المساكن والدور الحديثة سنحتاج إلى قلعها لإقامة مراكز الخدمات بدلها ، من أسواق وساحات لعب للكبار والصغار ، ورياض للأطفال وحدائق عامة ومدارس ومستشفيات ومقاهي شعبية ومسابح وغيرها … وغيرها من المراكز الخدمية والترفيهية الأساسية .

أما المناطق الفقيرة التي تمتد اكثر من عشرين كيلومتر وابتدائاً من ساحة سعد بن أبي وقاص وعلى طول الطريق العام إلى بغداد والتي تمثل مدخل المدينة التي يصلها بمعظم المحافظات العراقية ، فلا بد من إزالة كل ما فيها من بيوت بدائية ومناطق قذرة وبرك يسبح فيها البعوض والكلاب ، وتعويض أهلها بمساكن صحية مناسبة في مناطق مختلفة ، وتحويل تلك المنطقة إلى حدائق عامة ومنتزهات وبنايات تتناسب مع سمعة المدينة .

وقد يتساءل بعض القراء الكرام : إن ذلك سيكلف من المبالغ ما لا تستوعبه ميزانية الدولة على المدى القصير ، فمن أين ستتم تغطية كلفة كل هذه المشاريع  ؟   لقد تمت دراسة هذه المشكلة وإيجاد السبل من خلال بحوث متعددة قام بها الباحث ، ويمكن الإجابة بشكل مقتضب وببساطة هنا ، هو إن نظام البلديات في المستقبل لا بد وان يكون مختلفاً عن وضعه الحالي من كون البلدية دائرة صغيرة تتبع الحكومة المركزية أو الدولة ! (راجع وضع البصرة السياسي) ، يجب أن تعاد صيغة هذا النظام ووفقاً لما هو معمول به في البلدان المتحضرة ، حيث تكون البلدية مؤسسة مستقلة يتم انتخاب رئيسها وأعضاء المجلس البلدي فيها من قبل أبناء المدينة ، وتكون هي إحدى الجهات الرئيسية في تخطيط المدينة ووضعها السكاني والعمراني ، ويكون لسكان المدينة الرأي الأول في مدينتهم ، كما وتتمتع البلدية بميزانية خاصة تأتي من الضرائب التي ستحتصلها بالدرجة الأولى ، فإذا عرفنا بان معظم النفط المستخرج في العراق هو من منطقة البصرة ! وإذا علمنا ايضاً إن كل البضائع المستوردة عن طريق البحر تأتي عن طريق البصرة ! وإذا تذكرنا بان معظم المصانع الكبرى في العراق مقامة في البصرة ! وإذا كان يجب علينا أن نعرف إن كل هذه المؤسسات يجب أن تدفع ضرائب إلى بلدية البصرة ! هذا بالإضافة إلى الضرائب البلدية الاعتيادية الأخرى التي تستوفى من الناس ، وما يجب أن تقدمه الحكومة كمساعدة إضافية للبلديات المختلفة !  فان هذه الضرائب بإمكانها أن تحقق مئات وآلاف المشاريع ، وتجعل من بلديات المدن الكبرى بالعالم تنظر بعين الحسد إلى الموارد التي تتمتع بها بلدية البصرة .

  1. الدعاية: لا يكفي كون البصرة مؤهلة سياحياً بان تكون مدينة سياحية ، فتركيا مثلاً كانت دوماً مؤهلة سياحياً ولكنها لم تكن بلداً سياحياً معروفاً ، حتى بدأت بحملة دعائية استطاعت ايصال الصورة إلى الناس في الخارج بإمكاناتها السياحية ، وهكذا أصبحت في ليلة وضحاها من الدول السياحية في العالم .

الدعاية ركن أساسي في كل عمل تجاري ، فعلبة القهوة والتي تباع بثلاثة دولارات مثلاً ، لا تكلف قيمة البن فيها إلا اقل من عشرة سنت ، بينما يدفع للدعاية حوالي 45 سنتاً ، أي أربعة مرات ونصف بقدر قيمة البن ، المادة الأساسية التي نشتري العلبة من اجله . ولعل من الطريف أن نذكر هنا ، ولعل العرب هم أول من استعمل الإعلان التجاري المدفوع الثمن في التاريخ ، فكانوا يستخدموا الشعر والمغنين الشعبيين للترويج عن بعض البضائع ، وما قصة ذلك التاجر الذي أتى إلى بغداد من الشام باخمرة سوداء للنساء كانت قد بطل استعمالها ، والشاعر الذي نظم تلك القصيدة الظريفة التي تدعوا الفتيات لهذه الاخمرة حين قال : قل للمليحة بالخمار الأسود … وغناها الشعراء الشعبيين ، واستطاع التاجر أن يبيع كل ما لديه بأحسن الأسعار إلا دليلاً على ما نقول . إن السياحة هي عمل تجاري يشبه كل الأعمال الأخرى ، وقد يكون من الممكن إنشاء محطة عالمية للتلفزيون وبلغات أجنبية مختلفة ، وتبث من خلالها الدعاية السياحية للعراق ككل ومن ضمنه البصرة ، ومن الممكن أن تبدأ تلك المحطة بواسطة شبكات (الإنترنت) حتى تتوسع إمكانياتها المالية ورصيد خبرتها ومعلوماتها .

ولعل أحد أنواع الدعاية المتبعة في الدول السياحية ، هو إقامة المهرجانات و(الكرنفالات) المختلفة ، ومن الظريف أن نعلم بان هنالك مهرجانات موجودة في البصرة فعلاً ، ويمكن تطويرها والاستفادة من الدعاية السياحية بواسطتها ، وهنالك ما يمكن إيجاده والاستفادة منه في المستقبل ، ومن تلك المهرجانات :

مهرجان المربد : ذلك المهرجان الذي يقام سنوياً في العراق ، والذي يجب أن يقام في موقعه الأصلي ، في منطقة المربد الواقعة في مدينة الزبير في الوقت الحاضر ، والتي كانت جزءً من مدينة البصرة القديمة . وبدلاً من توظيفه لأغراض سياسية هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع ، يوظف لتطوير الشعر العربي ولتفعيل وحدة الدم من خلاله في العالم العربي ، والوحدة الإسلامية الإنسانية التي يفرضها الدين الحنيف ، كما ويمكن الاستفادة منه في نفس الوقت في الدعاية السياحية إلى مدينة البصرة ، بما تلقى فيه من بحوث حول المربد وتاريخه وموقعه في البصرة ، وإنجازاته الثقافية ، ومن مقدمات تلفزيونية عن معالم مدينة البصرة الحالية قبل كل جلسة من جلساته ، وبدل أقامته في قاعات بغداد الحديثة ، يقام في سرادقات ومخيمات تنصب في موقع المربد الأصلي .

كرنفال المربد : يمكن إقامة كرنفال شعبي بمناسبة أيام المربد الثقافية ، ليكون باب ترويح وراحة بالإضافة إلى جانبه الدعائي ، بما يعرضه من الاستعراضات الفلكلورية التي ترمز لأيام المربد الخالدة ، والتقاء الأعراب بجمالهم وقوافلهم التجارية ، مع الشعراء والأدباء في سرادقاتهم الأدبية والشعرية .

سباق الهجن (الجمال) والخيول : كما يمكن إقامة سباقات للجمال والخيول تصاحب مهرجان المربد الشعري والأدبي والثقافي ، لتجعله مهرجان رياضي ايضاً ، ومهرجان سياحي ودعائي في نفس الوقت . إن مهرجان المربد الشعري يمكن أن يمتد لمدة شهر كامل إذا أضفنا إليه مثل هذه الفعاليات وغيرها .

عيد النوروز وعيد المهرجان : عيد النوروز من الأعياد المهمة التي كانت تحتفل فيها مدينة البصرة قديماً ، حيث كان الناس يخرجون في زوارقهم وسفنهم في شط العرب ، يرقصون ويغنون ويضحكون ويمرحون ، وقد وردت الكثير من القصص والروايات عن ذلك العيد واحتفالاته في كتاب ألف ليلة وليلة وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وغيرها من كتب الأدب ، وبقي هذا العيد يحتفل به بنفس الأسلوب حتى العقود الأخيرة  ، عندما انشغل الناس بالحروب بدل المرح ، وبالمآتم بدل الفرح . ويعتقد الكثيرون إن اصل هذا العيد فارسي ، وينسبوا إليه القصص والأساطير ، وكيف استطاع الحداد (كاوا) من قتل الملك المستبد (الضحاك) الذي كان يتغذى على دماء الأطفال الرضع من أبناء الشعب ، ويقول الأكراد إنما كان كردياً وليس فارسياً .

هذا العيد (النوروز) في حقيقة أمره هو عيد الربيع حين يتساوى فيه الليل مع النهار يوم الثاني والعشرون من الشهر الثالث في التقويم الميلادي ، وكل شعب حاول إيجاد أسطورة معينة ليجعل منه عيداً ، ولعل أول من اتخذه عيداً هم السومريون وقبل سبعة آلاف سنه ، وقبل أن يولد (كاوا) بأكثر من أربعة آلاف سنة ، ودعوه بعيد (جز صوف الغنم) ، وأخذه المصريون فيما أخذوه وسموه (فيما بعد على ما يبدو) بعيد شم النسيم ، وادعاه الفرس والأكراد وسموه (النوروز) ، وأخذه الأوربيون والكنائس المسيحية ودعوه (عيد الفصح) أو (الايستر) ونسبوه إلى صلب السيد المسيح (ع) وقيامه من القبر بعد ثلاثة أيام ، كما وادعاه الهنود والصينيون وغيرهم . ولا يهمنا هنا اصله وفصله وجنسيته وشهادة جنسيته !!! وانما يهمنا انه أحد الأعياد التي يمكن أن تكون وقتاً للمرح ، وفي نفس الوقت مهرجاناً سياحياً تصاحبه بعض الكرنفالات الشعبية .

أما عيد المهرجان فهو في فصل الخريف (الاعتدال الخريفي) عندما ينتصف الليل والنهار ايضاً ويصادف في يوم 22 سبتمبر . ومن الممكن جداً إحياء هذا العيد الشعبي الذي قد نسي ، وإقامة المهرجانات والكرنفالات الشعبية فيه لتكون من أيام الفرح والمرح وإيذاناً ببدء الموسم سياحي في البصرة .

المهرجانات الرياضية : يمكن أن تقام هناك مهرجانات رياضية أخرى كثيرة ، يتم اختيار أوقاتها والتي تتناسب مع وضع البصرة الطبيعي والجغرافي والفصل السياحي ، كان يقام سباق للزوارق الشراعية ، والزوارق الأخرى ، ويمكن أن يبدأ هذا المهرجان بسباق للزوارق بين جامعات العراق ثم الأندية المختلفة ، المحلية والعربية وحتى العالمية ،كالذي يقام في إنكلترا وكثير من دول العالم ،  وتوضع لها الجوائز ، كما يمكن إقامة سباقات محلية ودولية وعالمية مختلفة وتكون خاصة في مدينة البصرة تقام كل عام في نفس الوقت والمكان .

  1. وضع نظام للنظافة والرقابة الصحية: يجب أن يقام نظام رائد ودقيق للرقابة الصحية على المطاعم والفنادق والمقاهي والمرافق السياحية ومحلات بيع المواد الغذائية والخضار وغير ذلك ، ولا يقتصر ذلك النظام على رقابة صحية شديدة بل قد يشمل ما يلي :
  • لا تمنح رخص فتح المحلات أو الفنادق أو أي مكان عام إلا برخص مشددة تراعى فيها النظافة والشروط الصحية ، والشكل العام للمكان ، وغير ذلك .
  • عقوبة المخالفين لشروط الصحة تكون بغلق محلاتهم لمدد معينة ، ووضع لافتات لأعلام الناس بذلك ، حيث تثبت في واجهات تلك المحلات أو الأماكن ، وتبين سبب الإغلاق .
  • تسحب الرخص من أصحاب تلك المحلات في حال تكرار الإهمال والمخالفة ، وتغلق محالهم بشكل نهائي .
  • إقامة سباقات سنوية لأحسن تلك المحلات ، وتعطى شهادات للفائزين في تلك المسابقات ، كما قد تمنح مكافئات مالية في بعض الأحوال .
  • تصنف درجات المحلات العامة حسب نظافتها ومطابقتها للشروط الصحية والشكل العام ، كان تكون هناك فنادق تمنح درجة أولى وفنادق درجة ثانية أو ثالثة ، وهكذا بالنسبة للمطاعم والمقاهي وباقي المحلات العامة ، ويعاد التصنيف كل عام ليبقى الحفاظ على نسبة تطبيق تلك الشروط بشكل دائم ، وتقوم لجان خاصة بزيارات مفاجئة ، وكذلك يتم الرجوع إلى سجل الزيارات الصحية للمكان حين منح الدرجة .
  1. إعطاء المنح والقروض: تمنح بعض المساعدات ، كما تسهل بعض القروض لأصحاب المطاعم والفنادق والخدمات السياحية المختلفة والمقامة في المناطق السياحية المخصصة ، أو داخل القرى السياحية التي تم ذكرها .

المراحل التي يمكن اتباعها في تحويلها إلى منطقة سياحية :

ليس من الحكمة والمنطق أن تبث الدعاية في العالم بمكانة البصرة السياحية وهي غير مستعدة بعد ، فيكون ذلك مضراً بعملية السياحة على المدى البعيد ، ونكون كمن يطلب من مصارع أن يذهب إلى حلبة الصراع بعد إجراء عملية جراحية له مباشرة ، لان الذي يأتي ولا يجد فندقاً جيداً ليسكنه أو مواصلات مناسبة لتنقله أو مطعماً نظيفاً ليأكل فيه ، أو مكاناً سياحياً يقضي فيه وقته ، فانه سيكون دعاية مضادة عند عودته ، وصوته سيكون مسموعاً اكثر من أي إعلان تلفزيوني . بل علينا أن نسير بالأمر على شكل خطوات وبشكل مدروس . ولعل أهم الخطوات تكون ما يلي :

الاهتمام بالسياحة الداخلية أولاً : تكون الخطوة الأولى تطوير وتشجيع السياحة الداخلية ، فإذا نشطت تلك السياحة فإنها ستهيأ المدينة سياحياً وتطور قابليتها ، فتبنى الفنادق ويزيد الاهتمام بنظافتها وخدماتها ، وتفتتح المطاعم الجديدة ويعتني بمظهرها ونظافتها ، وتبدأ المنافسة بين تلك المرافق السياحية ، مما يطورها وينميها ، وتبنى المرافق الترفيهية ويصبح الكادر السياحي الشعبي اكثر تأهيلاً لاستقبال المزيد من السياح .

الاهتمام بسياحة الجالية العراقية في الخارج : لقد كانت الحروب سبباً في نزوح عدة ملايين من العراقيين إلى الخارج ، وقد شهدت البصرة أولى موجات الهجرة إلى الخارج لاسباب كثيرة ليس هنا وقت سردها . مما لا شك فيه إن هؤلاء المقيمين في الخارج سيعود بعضهم إلى الوطن عند تحسن الأحوال المعيشية والسياسية ، ولكن أكثرهم سيبقى في البلدان التي انتقل إليها لاعتبارات كثيرة .

من المؤكد بإن أفراد هذه الجالية يتشوقون لزيارة بلادهم وأهلهم ، وعلى الأخص عندما تستقر الأوضاع السياسية في المنطقة ، فإذا أبدت الحكومة بعض التسهيلات لهم فان زيارتهم إلى بلدانهم ستكون متكررة . ومن التسهيلات المقترحة هي التذاكر الجوية المخفضة لهؤلاء ، وعلى الأخص للشباب منهم وذلك ليس لأسباب السياحة فقط وانما لأسباب كثيرة أهمها إشعار هؤلاء الشباب الذين ولد قسم منهم في المهجر ، وترعرع كلهم هناك ، إشعارهم انهم ينتمون إلى ارض هذا الوطن أولاً ، ثم الوطن الجديد الذين ولدوا أو عاشوا فيه ثانياً . وكذلك إقامة المهرجانات والسفرات السياحية ، وللشباب بوجه خاص ، ورفع قيود السفر و(الفيزة) عن الذين تجنسوا بجنسيات أخرى ، بل وإصدار قانون تعدد الجنسيات أسوة بدول العالم المتقدمة وبعض الدول العربية . إن هذه الجالية ستشكل ثقلاً سياحياً كبيراً قد يبلغ الملايين من السواح في السنة (على نطاق البلد ككل وليس البصرة فقط) ، ومن المؤكد إن الذين سيزورون بلدهم في فصل الشتاء سيرغبون بزيارة مشتى العراق . إن النجاح في التعامل مع هؤلاء السواح العراقي الأصل سيقود بالضرورة إلى سهولة التعامل مع السواح الأجانب فيما بعد ، بل وان الكثير منهم سيقوم بإنشاء مشاريع سياحية ينقل من خلالها خبرته وتجاربه في دول المهجر .

الاهتمام بالسياحة الخليجية : في الوقت الذي نود أن تكون البصرة بصورة خاصة والعراق بشكل عام دولة سياحية لما يمكن الاستفادة من السياحة ، فانه من المؤكد يجب عدم التفريط بالقيم والمبادئ على حساب المادة ، والاستفادة من السياحة الخليجية يجب ألا يكون مصاحب للتخلي عن تلك القيم كما كان حاصلاً فيما مضى حين أقدمت الحكومة على بناء مدينة خاصة دعتها (حي الطرب) وأسكنت فيها مجموعات من الغجر بغية جلب السياح من الخليج . إن هذا أمراً مرفوضاً . إن هنالك الكثيرون من سكان الخليج يودوا زيارة البصرة لما لها من ماضي عريق وما فيها من مناظر خلابة ، وما في السفر إليها من تغيير في الأجواء ، ومتعة في تغيير نمط العيش ، كما وان مثل هذه السياحة يغلب عليها طابع السياحات العائلية ، أضف إلى ذلك قلة الكلفة التي يتحملها السائح بالمقارنة بالسفر إلى أية منطقة أخرى ، كما وان عامل اللغة والدين والشعور بالأمان يجعل منها اكثر يسراً ، هذا بالإضافة إلى إن الكثير من سكان الخليج وشبه الجزيرة يرتبط بعلاقات من القرابة والصداقة مع أبناء المنطقة . كما وإن السفر من الخليج إلى البصرة لا يحتاج إلى كثير من الوقت والمال لذا فان من الممكن أن تكون فترات الإقامة قصيرة لقربها ، مما يجعل من الممكن لهم أن يأتوا في أوقات العطل القصيرة وعطلة نهاية الأسبوع ايضاً ، وهذا يعني تكرر زياراتهم أثناء العام الواحد ، وهذا مما سيؤهلها لاستقبال مئات الألوف وربما الملايين من سكان الخليج وشبه الجزيرة سنوياً .

تهيئة القرى والخدمات السياحية : مما لا شك فيه إن نجاح المراحل الثلاثة السابقة سينمي الخبرة وراس الماس المستخدم في السياحة وسيشجع الكثير من الأفراد والشركات بعمل استثمارات كبيرة في هذا القطاع ، وسيعطي الثقة والوقت الكافي لإنشاء قرى سياحية ، فيها الكثير من المساكن والفنادق والشقق ووسائل الراحة والمطاعم ، واستيراد أو تصنيع الحافلات السياحية ، وبناء السفن المخصصة للسفرات النهرية والبحرية القريبة ، وإنشاء المسارح والمتاحف والمعارض وغيرها .

مثل هذه المشاريع تحتاج إلى دراسات وخطط وافية، كما تحتاج إلى مساهمة الدولة في الكثير منها ، ومشاركة المصارف الوطنية وإنشاء الشركات المحلية بالإضافة إلى الشركات والمصارف العالمية ، وقد يكون للمستثمرين العراقيين دوراً بارز فيها ، يرجى مراجعة أبحاث الباحث حول : (المربع السياحي والزراعي والسكني) ، و(القرية السياحية الصحراوية) ، و(القرية السياحية في مناطق الاهوار) .

البدء بالسياحة العالمية : ستبدأ السياحة العالمية باستحياء خلال السنوات الأولى ، ولكن نمو السياحة المحلية وقدوم السواح من المهاجرين العراقيين والخليجيين ، سيولد سياحة عالمية ضخمة بجانبه ، وعلى الأخص في موسم الخريف والشتاء  والربيع ، وهذا من الإيجابيات المهمة فان زبائن السياحة الشتوية هم الطبقة الجيدة من السياح ، وأكثرهم من المتقاعدين الذين يجدوا الوقت الكافي للسياحة في هذا الموسم والأغنياء . ولتنشيط هذه السياحة يمكن الاستفادة من الطرق المتبعة في البلدان السياحية ، من إقامة السباقات والمهرجانات الرياضية من سباق السيارات أو الخيل أو الجمال أو الزوارق ، ونشر الكتب السياحية عن العراق والبصرة ، وتشجيع المنتجين السينمائيين المحليين والعرب والعالميين من إنتاج أفلامهم في المنطقة ، مع تقديم المكافئات والتسهيلات لهم ، وكذلك استئجار المحطات التلفزيونية لبث برامج سياحية عن المنطقة ، والاستفادة من كل وسائل الدعاية المتاحة بما فيها الانترنيت والصحف والمجلات وغير ذلك .

مركز الصناعة الأول في الشرق الأوسط

لعل مستقبل مدينة البصرة لا يؤهلها بان تكون المنطقة الصناعية الأولى في العراق فحسب ، بل أن تكون المنطقة الصناعية الأولى في الشرق الأوسط وذلك لعدة أسباب :

1 . غزارة الأحواض النفطية فيها : دلت المكتشفات الحديثة إلى إن منطقة البصرة تحوي على أحد اكبر مخزون نفطي في العالم ، من حيث تواجد اكبر الأحواض النفطية الغزيرة حولها ، كحقل مجنون ، وحقل السيبة ، وحقول الرميلة والنخيلة ، وحقل جنوب القرنة الذي يمتد إلى مناطق الاهوار ، والحقول التي تمتد إلى داخل حدود السعودية والكويت وغيرها ، كل هذا يجعلها مؤهلة لإنشاء مصانع تكرير النفط الخام وتصديره بعد عملية التكرير بما يوفر من وارد إضافي كبير وأعمال كثيرة للعمال والفنيين والمتخصصين .

2 . توفر كميات هائلة من الغاز الطبيعي : ولنفس السبب السابق فان كميات الغاز المستخرجة ، والتي ترافق عملية إنتاج النفط ستمكن من إقامة مصانع تسييل الغاز بعد تنقيته بغية تصديره إلى الخارج .

3 . إمكانية التوسع في صناعة البتروكيماويات : كما وان الكميات الهائلة للغاز ستفرض إقامة المزيد من مصانع البتروكيماويات والأسمدة المختلفة .

4 . إمكانية إقامة محطات توليد الطاقة : بالإضافة إلى ما تم ذكره فان توفر الغاز الطبيعي سيسهل من إمكانية إنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعتمد على ذلك الغاز الطبيعي ، والاستفادة من الكهرباء في تغذية الكثير من الصناعات ، مثل استخراج وتصنيع الألمنيوم ، والحديد ، وغير ذلك .

5 . موقعها على الخليج : إن موقع البصرة المميز وكونها وضواحيها من الموانئ البحرية الوحيدة للعراق ، فان ذلك سيساهم في تأهيلها لإنشاء منطقة صناعية وتجارية حرة ، تمتد على مساحة المثلث بين ميناء أم قصر وميناء خور الزبير وميناء الفاو . إن مما يساعد على إنشاء هذه المنطقة الحرة بالإضافة إلى الموقع الجغرافي هو رخص أجور العاملين فيها سواء كانت البسيطة أو الماهرة بما فيهم من مهندسين وفنيين . هذا بالإضافة إلى توفر الطاقة الكهربائية والوقود بأسعار رخيصة جداً ، وتوفر الماء اللازم للصناعة بأسعار رخيصة ، كما وأن منطقة البصرة تتصل بشبكة من وسائل النقل البري والنهري والبحري ، وقربها من أسواق الاستهلاك أو موانئ التصدير ، والكثير من المواد الأولية متوفر فيها أو قريب منها ، راجع بحث (المثلث الصناعي التجاري الحر) .

إن بإمكان مثل هذه المنطقة الحرة تجهيز العراق بالكثير من الصناعات المختلفة التي يحتاجها ، كما وان بإمكانها استهلاك الكثير من مواده الأولية ، سواء كانت معدنية أو زراعية وحيوانية ، هذا بالإضافة إلى جعلها منطقة تصدير واستيراد من والى العالم الخارجي .

الخطوات التي يتطلب اتباعها في التحويل الصناعي :

المقومات الصناعية الكبيرة المتوفرة في البصرة لا تكفي من تحويل المدينة إلى منطقة صناعية ما لم تترجم بخطوات عملية مصاحبة لها ، ولعل أهم تلك الخطوات ما يلي :

تخصيص منطقة صناعية ضمن المنطقة التجارية الحرة : لعل أحد أهم الأسباب في تنشيط الصناعة هو إقامة المنطقة الصناعية التجارية الحرة والتي اقترحنا أن تكون ضمن المثلث بين مدينة الفاو وخور الزبير وأم قصر ، والذي نطلق عليه المثلث التجاري الصناعي الحر . إن أهمية هذه المنطقة تأتي لتحرير الصناعة من القيود التي تعاني منها داخل العراق ، والتي قد تحتاج إلى عقود طويلة للتخلص منها ، من الروتين الحكومي وقوانين الاستيراد والتصدير وقوانين العمل وغيرها . وبعد إن تدرس الصناعات التي يمكن أن تقام في ذلك المثلث وتقسّم الأراضي بمساحات تتناسب مع المشاريع ، ويتم توصيل الماء والكهرباء والغاز وتعبيد الشوارع وتنظيم مياه المجاري والصرف الصحي يتم توزيعها ، حيث تعطى الأولوية إلى أبناء المنطقة والعراقيين الذين يعيشون في المهجر ، ثم إلى المشاريع التي يقوم بها غير العراقيين وحسب أهميتها وحاجة البلد إليها ، راجع بحث (مشروع المثلث الصناعي التجاري الحر) .

إن دراسة مستفيضة لا بد وأن تجرى على مثل هذا المشروع وإشراك الصناعيين أصحاب المصلحة في مثل هذه الدراسة ،  والاستفادة من التجارب التي مرت في المشاريع المشابهة في دولة الإمارات العربية وغيرها .

تعديل القوانين الصناعية بإيجاد الاستثنائات : كما يعتمد الفقهاء المقولة ،”ادرءوا الحدود بالشبهات” ، فان هنالك كثير من القوانين الصناعية التي صيغت وطبقت بشكل جامد يمكن تخفيف وطأتها بالاستثنائات ، مثال ذلك عدم إمكانية إقامة مشروع صناعي إلا في المنطقة الصناعية المخصصة للمدينة . وبالرغم ما يبدوا عليه القانون من منطقية إلا إن الذين وضعوا أسسه هم أناس أكاديميين بعيدين عن ساحة العمل وفهم المشاكل العملية !  فالذي يريد أن ينشأ مصنعاً للدبس مثلاً ، يجب أن يكون موقع مصنعه وحسب صيغة القانون ، بـين بقية المصانع في تلك المنطقة ، علماً إن تلك المنطقة غير مناسبة لمثل هذه الصناعة لعدم توفر كميات كبيرة من الماء الضروري لهذه الصناعة ، ولكثرة الغبار الذي قد يؤثر على جودة المنتج أثناء خزن التمر واثناء عمليات التصنيع ، وذلك سيؤدي إلى تضاعف الكلفة بسبب المصاريف الإضافية التي يتحملها التصنيع جراء عمليات النقل والخزن ، كنقل التمر إلى المصنع ونقل بقايا التمر من المصنع ، كما وان المساحات المخصصة للمصانع لا تكون كافية لمثل هذا المشروع ، وكلفة الأرض التي تبيعها البلدية لصاحب المصنع ستكون باهظة . ومثال طريف آخر : فالذي يريد إنشاء مصنع للبلاط (الكاشي) أو الخرسانة الكونكريتية عليه أن يضع جهاز إطفاء للحريق في المصنع ، بالرغم انه لا يوجد أي شيء فيه قابل للاحتراق ، ومحتويات المواد الداخلة في التصنيع هي مواد تستخدم في إطفاء الحريق عادةً لا في حدوثه ، كالرمل والماء والحصى ، وقس على هذا . فإذا كنا لا نستطيع إن نغير قوانين الدولة لأننا جزء من العراق الذي يخضع لهذه القوانين ، فان بإمكان البلدية بما تملك من صلاحيات في استقلاليتها الإدارية عن الدولة أن تجعل لهذه القوانين استثنائات تقوم لجنة خاصة بدراسة ظروف كل مشروع ، وبشكل مستقل ، وحل مشاكله القانونية بانفراد .

المساواة في الخدمات : قدم المصرف الصناعي والمصرف الزراعي في العقود الماضية الكثير من القروض والتسهيلات المصرفية للمشاريع المقامة في محافظات المنطقة الوسطى وبعض محافظات المنطقة الشمالية ، أما المنطقة الجنوبية فكان نصيبها من تلك المصارف ، هو البنايات التي تحمل أسماء تلك المصارف فقط ، إذ لم تقدم قروضاً أو تسهيلات للمشاريع المقامة هناك ولو عن طريق الخطأ ، ومن يتقدم لأي مشروع يضعوا أمامه قائمة من الشروط الغير منطقية والتي لا يمكن تنفيذها عملياً ، في الوقت الذي كانت نفس تلك المصارف تتغاضى عن كل ذلك في المناطق الأخرى . إن نظام المحافظ والمجلس البلدي المنتخبان من قبل أهالي المحافظة والذي لا بد من تطبيقه إذا أردنا نظام ديمقراطي ، يجب أن يتدخل لرفع هذا الغبن في التمييز بين المحافظات (راجع النظام السياسي لمدينة المستقبل) .

تشجيع المهندسين وذوي الاختصاص بإقامة المشاريع الصناعية : لقد كانت كل المصانع الصغيرة ولغاية عام 1982 مملوكة من قبل أناس بعيدون عن الصناعة والتخصص الصناعي ، (ولا يعلم الباحث عن حالها بعد ذلك) ، فمن بين اكثر من ألفين مشروع صناعي مسجل في اتحاد الصناعات في البصرة كان هناك شخص واحد مهندس فقط ، أما الباقون فكانوا بين خياط وبقال وراعي غنم وفلاح وغير ذلك ، وكان هناك بضع مهندسين يعدون على أصابع اليد الواحدة يمتلكون مصانع ولكنها مسجلة بأسماء أناس آخرين ، وأنا هنا لا أريد أن انقص من قدر أصحاب المصانع أو اتحاد الصناعات ، إلا إن هذه الحقيقة تمثل كارثة صناعية ، فعندما تدار تلك الصناعات من قبل أشخاص ليسوا بذوي اختصاص ولا يفهموا حتى المبادئ الأولية في الصناعة ، وأكثرهم لا يعرف حتى القراءة والكتابة ، فعلينا أن نتصور كيف سيكون حال الصناعة ؟

لعل القارئ يتعجب من هذا الوضع ويتساءل عن السبب ، والتعمق في معرفة هذه المصيبة هو أمر اشد مرارة من المصيبة نفسها !  ذلك لان القوانين أو قرارات مجلس قيادة الثورة التي تتمتع بقوة القانون ، تحضر على كل مهندس أن يفتح مشروع صناعي إلا بعد أن يحصل على موافقة من مجلس قيادة الثورة ! !  والحجة في ذلك إن الدولة كانت تحتاج هؤلاء المهندسين في العمل في مؤسساتها ، وتمنع عليهم الاستقالة أو العمل في أي مكان آخر ، كالمقاولات مع الدولة ، والعمل مع الشركات الأجنبية المقاولة ، وفتح المصانع وغير ذلك . وقد نسي المسؤولون إن ذلك سيحرم هذه القطاعات من العناصر الكفوءة والمتعلمة ، ولم يهتموا إلا بملأ الشاغر لديهم ، وتكديس أولاءك المهندسين في الدوائر وكبطالة مقنعة ، أو ليقوموا بأعمال إدارية أو شبه إدارية يستطيع أن يشغلها الإداريون والفنيون وربما بكفاءة أعلى .

إن أحد أسباب تطور الصناعة في المستقبل يكمن بالاستفادة من هذه العناصر الشابة المتعلمة ، وتسهيل القروض المصرفية لهم ليبدؤوا في إنشاء المصانع بعد تأهيلهم لتلك الصناعات نظرياً وعملياً ، وان تلك المصانع الصغيرة يمكن إن تتطور لتصبح شركات ومصانع كبيرة تساهم في النهضة الصناعية للبلد بعد فترة من الزمن ، راجع بحث (بناء القاعدة الصناعية في العراق) .

عمل دراسات للمشاريع الجديدة التي يمكن إقامتها : يمكن للمحافظة وباستخدام بعض الأخصائيين وبالتعاون مع وزارة الصناعة ايضاً ، من عمل دراسات مفصلة حول المشاريع التي تحتاجها المحافظة مع كيفية تنفيذها ، مما يشجع بعض المستثمرين من الاستفادة من تلك الدراسات وتنفيذ تلك المشاريع ، ودون البحث عن مشاريع تحتاج إلى الدراسة ، وعلى الأخص إذا أعطيت تلك المشاريع بعض الامتيازات والتسهيلات الإضافية . إن هنالك الكثيرون من المستثمرين الذين يبحثون عن استثمار لأموالهم ، ولكن تنقصهم الخبرة والمعلومات الكافية لاختيار المشروع المناسب ، ويخشون المجازفة بمشروع غير مدروس جيداً ولا تعرف نتائجه .

تقديم الدعم المادي والمنح لإقامة بعض المشاريع : هنالك الكثير من المشاريع المهمة للعراق ككل ولمحافظة البصرة بشكل خاص ، كالمشاريع الخاصة بإنتاج وتصنيع بعض المواد الغذائية التي تفتقر إليها المحافظة ، مثل مصانع الألبان على سبيل المثال ، أو التي تستخدم المواد الأولية التي يمكن الاستفادة منها وتصنيعها ، أو التي تحل بعض المشاكل التي تعاني من نقصها المنطقة ، كمشاريع العلف الحيواني والمشاريع التي تساهم بحل مشاكل السكن أو النقل والسياحة والزراعة والى آخر القائمة . إن مثل هذه المشاريع قد تحتاج بعض الدعم الذي يجب أن تتحمله الدولة ، وميزانية المحافظة ، وهذا الدعم قد يكون بإعطاء التسهيلات الإضافية من ارض أو توصيل الكهرباء وبيعها بأسعار مخفضة أو توصيل الماء والغاز والى آخره ، وقد يكون دعم مالي على شكل منح أو قروض إضافية مسهلة . إن هذا الدعم وبدون شك قد يساهم بإنجاز مشاريع صناعية غير مرغوب بها كثيراً من قبل المستثمرين ، ويخلق توازن بين ما تحتاجه المنطقة وما يمكن أن تقدمه الصناعة المحلية .

تشجيع إنشاء الشركات الصناعية المساهمة : لقد خطت الحكومة العراقية أيام عبد الكريم قاسم في الفترة ما بين 1958 – 1963 م خطوات عملية بخلق نواة للصناعات الوطنية ، فقد شجعت وساهمت وقدمت القروض لإنشاء شركات صناعية مساهمة ، وكانت النتيجة مولد عدة شركات صناعية منها ، شركة الصناعات الخفيفة ، وشركة الصناعات الكهربائية وغيرها كما تأسس عدد من المصارف الوطنية ايضاً ، ولو تم الاستمرار بهذا العمل والسير في هذا الطريق لأصبح العراق أحد الدول الصناعية المهمة ، حيث استطاعت هذه الشركات من القيام بتصنيع عدد من المنتجات المهمة التي يحتاجها السوق وبكفاءة عالية ومدة يسيرة ، ولكن هذه التجربة الرائدة تم إجهاضها بعد إزاحة قاسم عن السلطة ، وذلك بتأميم تلك الشركات ، وسرعان ما هبطت نوعية الإنتاج إلى مستويات متردية في تلك الشركات المؤممة ، وبدأت تسجل خسائر تتحمل الدولة أعبائها ، بعد أن كانت تسجل أرباحاً يستفيد منها أصحاب الأسهم بشكل مباشر والبلد بشكل غير مباشر .

إن إعادة تلك التجربة الرائدة يؤدي بإسراع حركة النمو الصناعي دون أن تسبب خسائر وأعباء إضافية على القطاع الحكومي . وكل ما تحتاج الدولة عمله هو تشجيع قيام مصارف وطنية من ناحية ، وان تدفع المصارف الحكومية إلى المساهمة في شراء جزء من اسهم الشركات التي يتم إنشائها حديثاً من ناحية ثانية ، وتقدم القروض اللازمة لتلك الشركات حتى تنهض على أقدامها ، ثم تقوم تلك المصارف ببيع حصصها بعد أن تصبح تلك الشركات مؤسسات رابحة ، ولتستثمر تلك الأموال من جديد في مشاريع جديدة . إن القروض التي تقدمها المصارف الحكومية لا بد وان تكون قروض ميسرة بفائدة اسمية ، كي تعطي تلك الشركات الناشئة زخماً وقوة للوقوف أمام البضاعة المستوردة ، تلك البضاعة التي يتم استيرادها من مصانع وشركات تتمتع بخبرتها العريقة وإمكاناتها الكبيرة .

تشجيع إنشاء المصارف الوطنية المساهمة : تقوم المصارف عادةً بدور أساسي في بناء الاقتصاد الوطني ، وعلى الأخص في القطاع الصناعي ، وحيث إن مصارف الدولة تكون مكبلة بالروتين والبيروقراطية ، والتي يصعب معها قيام تلك المصارف بمثل هذا الدور المهم ، لذا كان من الضروري تشجيع ودعم المصارف الوطنية الأهلية ، وإحدى طرق الدعم لهذه المصارف هو استثمار جزء من أموال الدولة فيها ، كان تستثمر أموال القاصرين وأموال الأوقاف وأموال التقاعد وغيرها فيها ، وكذلك مساهمة المصارف الحكومية بإيداع بعض أموالها ايضاً في تلك المصارف الأهلية . وحتى نبني جسور الثقة بين هذه المصارف الناشئة وبين المودعين ، فمن الممكن إنشاء شركات تامين وطنية إلى جانبها ، لتؤمن للمودعين أموالهم في حالة إفلاس أو خسارة هذه المصارف ، وتساهم الدولة في جزء من نفقات وأجور التامين ، كما تساهم ميزانية المحافظة في جزء آخر ، وفي نفس الوقت تسن قوانين صارمة استثنائية تعاقب المتلاعبين والنصابين الذين قد يستغلوا مثل هذه المؤسسات لسرقة الأموال ، وكما يحصل في الكثير من دول المنطقة .

تسهيل القروض المصرفية والاستيرادات الصناعية : إن جزء من التامين الذي يمكن أن تساهم الدولة في تمويله ينصب لتعويض المودعين في هذه المصارف عند إفلاس تلك المصارف ، بينما يكون الجزء الآخر من التامين هو لتعويض المصارف في حالة فشل مشروع صناعي أو تعثره ، وقد كان قد اقترض من تلك المصارف بعض المال ، ففي هذه الحالة تستطيع شركات التامين أن تعوض المصرف عن خسائره . ومثل هذا الإجراء سيشجع الناس على إيداع أموالها في المصارف من ناحية ، كما يشجع تلك المصارف لتقديم القروض للمشاريع الصناعية لما فيها من ضمانة لأموالها من ناحية ثانية ، كما ويدفع بالصناعات الوطنية بالنهوض والنمو نتيجة للدعم المادي المصرفي . وقد يكون من المفيد جداً مساهمة المحافظات والدولة ، بتسديد جزء من الأرباح عن بعض القروض الصناعية وكمنحة لتلك المشاريع ، كما يمكن أن تعفي المصارف من الضرائب المترتبة على القروض الصناعية .

أما الاستيرادات الصناعية من معدات وأجهزة أو مواد أولية لتلك المصانع الوطنية الناشئة ، فيمكن أن تكون معفاة من الضرائب الكمركية بشكل كامل ، وتعطى تسهيلات خاصة إضافية ، على أن تكون هناك لجان متخصصة فنية تدرس تلك الاستيرادات بشكل منطقي وعلمي ، حتى لا تسمح بالتلاعب والاستفادة من الثغرات القانونية . وكمثال على ذلك ولتوضيح الفكرة فان قانون الكمارك كان يفرض ضريبة كمركية تبلغ 180% على أجهزة التكييف الكبيرة المستوردة من الخارج والكاملة التصنيع ، أما الأجهزة الغير كاملة التصنيع والتي يفترض أن يتم تصنيع بعض أجزائها في الداخل فكانت تخضع إلى دفع  15% فقط من قيمتها كضريبة كمركية ، وقد استغل البعض مثل هذه الثغرة ، فاصبح يستورد أجهزة مفككة ويتم ربطها خلال سويعات ، ولا يدفع عنها غير 15% فقط .

هنالك الكثير من المصانع الأهلية التي تقوم بالاستفادة من تلك الثغرات القانونية ، فتكون الدولة قد خسرت الكثير من الضرائب ، بينما استفاد أناس لم يقدموا للصناعة الوطنية أي خدمة ولم يقوموا بإنتاج أي شيء مهم ، وكل ما فعلوه انهم قاموا بعملية نصب مستغلين تلك الثغرة القانونية .

إنشاء المصانع الكبرى من قبل شركات الدولة : من المؤكد إن إقامة المصانع الكبرى ذات الستراتيجية الكبيرة ، كمصانع البتروكيماويات والأسمدة والألمنيوم وغيرها يكون عسيراً على القطاع الخاص بإنشائها في الوقت الحاضر ، لما تحتاجه من راس مال كبير وتقنية عالية وخبرات مختلفة ، فيمكن والحالة هذه أن تقوم الدولة من القيام بإنشاء تلك المصانع ، ثم بيع أسهمها إلى القطاع الخاص بعد أن تبدأ العمل وتقوم بالإنتاج والأرباح . وقد يكون ممكناً ايضاً أن تباع تلك الأسهم بالتقسيط حتى يسهل شرائها من قبل القطاع الخاص ، كما يمكن أن توزع بعض الأسهم كجزء من التعويضات التي تدفعها الدولة لبعض المتضررين والتي تقرر الدولة تعويضهم ، كالأسرى الذين قضوا سنوات طويلة في الأسر ، أو عوائل الذين استشهدوا في الحروب أو غير ذلك . إن بيع مثل هذه المشاريع الكبيرة على القطاع الخاص سيوفر سيولة مالية لتلك الشركات الحكومية تمكنها من إنشاء مصانع جديدة يمكن نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص من جديد ، وقد يكون من المستحسن عدم احتكار بيع الأسهم لقلة من الاشخاص شخص ، بل تباع على اكبر عدد ممكن من المواطنين حتى تعم الفائدة ، وتنتشر الرفاهية بين القطاع الأعظم من الناس ، وتنمي فكرة الشركات المساهمة .

البصرة مركز تجاري متميز في المستقبل

كانت البصرة واحدة من اشهر مدن التاريخ في تجارتها ولعصور طويلة (راجع البصرة القديمة – الوضع التجاري) ، ولكي تستعيد المدينة مجدها التجاري الغابر ، فان هنالك خطوات يمكن اتباعها لتساعد على الإسراع في عودتها إلى سابق عهدها ، علماً بأنها ما زالت تمتلك الكثير من الأسس التي جعلتها المدينة التجارية الأولى في العالم في عصرها الذهبي .

الخطوات التي يمكن اتباعها في التحويل التجاري

لعل أهم الخطوات التي يمكن اتخاذها لجعل البصرة مدينة التجارة في الشرق الأوسط هي ما يلي :

إنشاء المثلث التجاري الصناعي الحر : المقصود بهذا المثلث هو رقعة الأرض التي يمكن أن تضم مدينة الفاو وخور الزبير وأم قصر بين أضلاع ما يشبه المثلث . إن هذه القطعة من ارض الجنوب والتي تشبه المثلث ، يمكن تحويلها – وكما يرى الباحث – إلى منطقة تجارية وصناعية حرة (راجع مشروع المثلث الصناعي التجاري الحر) .

هذه المنطقة الحرة لا بد وان تتمتع بتسهيلات إضافية عن تلك التسهيلات التي تقدم إلى القطاع الصناعي والتجاري المحلي . والتي ستستهوي الكثيرين من إقامة مشاريعهم الصناعية والتجارية فيها ، فبإضافة إلى التجار والصناعيين العراقيين في الداخل ، سيأتي عدد كبير من رجال الأعمال من المهاجرين العراقيين ، والذين قد يترددون في إقامة المشاريع  داخل العراق لعدم مرونة القوانين التجارية والصناعية المحلية في الوقت الحاضر ، كما سيأتيها عدد كبير من المستثمرين العرب والذين يبحثون عن أماكن آمنة لاستثماراتهم ، ومن المؤكد أن عدد كبير من المستثمرين العالميين ومن مختلف أنحاء العالم سيتنافسون على افتتاح مشاريعهم هناك بعد أن يتأكدوا من استقرار الوضع ونمو المنطقة تجارياً وصناعياً . ولعل أهم التسهيلات التي يمكن تقديمها ما يلي :

إيصال الخدمات الجيدة إلى المنطقة : يجب إيصال الخدمات التي يحتاجها أصحاب المشاريع في ذلك المثلث المذكور من إيصال الغاز والكهرباء والماء ، وطرق المواصلات والشوارع الداخلية في المنطقة ، واتصالها بشبكة المواصلات العراقية من سكك حديد وطرق سيارات ونقل مائي .

إعطاء التسهيلات للمستثمرين في المنطقة : من الواضح أن إعطاء التسهيلات الكافية في عمليات الدخول والإقامة والضرائب وعمليات دخول وخروج البضائع من تلك المنطقة واليها وتخصيص الأراضي اللازمة لإقامة المشاريع فيها سيساهم مساهمة كبيرة في إنجاحها .

الدعاية اللازمة : إن كل عمل تجاري يحتاج إلى الدعاية ، وحتى بائع الخضار تراه يعلن بأعلى صوته عن جودة الخضار عنده وانخفاض سعره ، لذا فان الدعاية تكون ضرورية لإنجاح هذه المنطقة الحرة .

تشجيع استثمارات المصارف والشركات العالمية : لعل استدعاء مثل هذه المؤسسات التجارية وتقديم الضمانات والتسهيلات اللازمة لها يكون عنصراً مهماً في إنجاح مثل هذه المنطقة الحرة ونموها السريع .

تسهيل الإجراءات الرسمية والضريبية على البضاعة : من البديهي إن البضاعة الداخلة إلى المنطقة الحرة لا تخضع للنظام الكمركي ، ولكن الذين يشترون تلك البضاعة ويقومون بإدخالها إلى العراق يجب أن يتمتعوا ببعض التخفيضات أو الإعفاءات الكمركية ، وتسهيل المعاملات الرسمية لهم حتى تنمو هذه المنطقة ويتحول التجار إلى الاعتماد عليها بدل أسواق الخليج التي يقصدونها لهذا الغرض ، وعلى الأخص تلك البضاعة التي يتم تصنيعها أو تصنيع أجزاء منها داخل تلك المنطقة الحرة . كما تتم التسهيلات الضرورة للمواد الأولية المنتجة داخل العراق للدخول إليها من دون عوائق كبيرة .

محاولة الربط بين التجارة والصناعة : تعطى تسهيلات إضافية كبعض المنح مثلاً للتجارة إلى الداخل أو الخارج للبضائع التي تصنع كلاً أو جزءً في تلك المنطقة ، إن نمو الأسواق التجارية وتفاعلها بالصناعات في المنطقة سيزيد من قوتها وقد تحتل المركز العالمي المناسب لها في فترة قياسية .

دعم الصناعات المحلية التي يمكن أن تصدرها إلى الخارج : هنالك الكثير من الصناعات المحلية التي يمكنها التنافس في الأسواق الأجنبية ، كالصناعات الغذائية والكثير من الصناعات المتفرقة الأخرى . إن تصدير الفائض من إنتاج مثل هذه الصناعات سينشط التجارة كثيراً (تجارة التصدير) .

الاهتمام بزراعة المحاصيل الزراعية والحيوانية لأغراض التصدير : كما وان هناك الكثير من المنتجات الزراعية التي يمكن الاهتمام بها لغرض التصدير ، كإنتاج الخضار الصيفية في موسم الشتاء ، والثوم والبصل والزهور وغيرها… وغيرها ، مما يمكن تصدير الفائض منها إلى الخارج وما يؤدي ذلك إلى تنشيط للحركة التجارية .

أما الإنتاج الحيواني فهنالك الكثير من الحيوانات المنتجة في العراق والتي يوجد عليها طلب عالمي مميز ، فالأغنام العراقية تباع في منطقة الخليج بعدة أضعاف سعر الأغنام المستوردة من نيوزلندا واستراليا مثلاً ، والأسماك العراقية والتي يمكن إقامة المزارع الخاصة لإنتاجها تجد طلباً كبيراً عليها وعلى الأخص من الجالية العراقية في المهجر ، والى آخر القائمة .

إنشاء المراكز التجارية في تسويق البضائع العراقية في دول العالم المختلفة : أهم العقبات التي تواجه دخول أية بضاعة إلى الأسواق الأوربية هي المافيات التجارية القوية المتحكمة بالأسواق ، والتي قد لا تسمح للبضائع العراقية بدخول الأسواق كي تجد مكانة لها فيه ، وهذا أمر معقد قد لا يعرفه إلا من تعامل مع هذا السوق . فكينيا وعلى سبيل المثال ، تبيع البن على الشركات العالمية بأسعار بخسة ، ولا تستطيع أن تبيع ذلك البن على المستهلك مباشرةً حتى ولو بربع الثمن الذي تفرضه تلك الشركات ، وعبثاً حاولت كسر طوق ذلك الاحتكار بتصنيع البن وتعليبه ، ولكن المحلات التجارية في دول الغرب لم تشتري منها ، لارتباطها مع تلك الشركات بعقود ملزمة بالا تشتري من جهة أخرى ، ولكسر هذا الجدار التجاري لا بد من منفذ تستطيع البضاعة العراقية فيه من الدخول .

لعل إنشاء المراكز التجارية لتسويق البضائع العراقية من الخطوات الرائدة وذات النتائج السريعة في تنشيط التجارة العراقية . فعلى سبيل المثال ، لو أمكن إقامة سوق تجاري تقوم محافظة البصرة أو الحكومة العراقية بإنشائه ، أو تقديم دعم وقروض ميسرة لتجار عراقيون بإنشاء ضمن شروط ومواصفات معينة في عواصم العالم الرئيسية ، راجع بحث (إنشاء الأسواق العراقية في دول العالم) ، ويستحسن البدء بالدول التي تتواجد فيها جالية عراقية وعربية كبيرة ، كلندن مثلاً ، والتي يوجد فيها اكثر من ربع مليون عراقي ، كما يوجد مثل هذا العدد أو اكثر من العرب هذا بالإضافة إلى ملايين من المسلمين والشرقيين . من الممكن أن يتكون هذا المركز – وكما يرى الباحث – من جزأين ، الأول لبيع الجملة حيث تباع البضائع والمنتجات العراقية فيه ، من مواد صناعية ، أو منتجات زراعية مختلفة . والقسم الثاني يكون لبيع المفرد ، ويكون كأي (سوبر ماركت) كبير .

من المؤكد إن الإقبال على مثل هذا المعرض التجاري الدائم سيكون كبيراً جداً ، وذلك لكثرة المحلات والمطاعم العربية والشرقية والتي تعد بالآلاف في الوقت الحاضر ، سواء كان ذلك في لندن أو المناطق الأخرى من بريطانيا ، والتي يمكن أن تعتمد على هذا المركز في تجهيز معظم بضائعها ، وتوفيره لمواد هم في حاجة إليها ، وذلك لما سيتميز به هذا المركز من انخفاض حقيقي بالأسعار ، وجودة في البضاعة تفرضها مواصفات المركز على مجهزيه ، كما وسيقصده أسبوعياً مئات الألوف من العرب والشرقيين وكثير من الإنكليز أنفسهم لشراء حاجياتهم اليومية منه .

أما عن تجهيز هذا المركز التجاري بالبضاعة فهنالك عدة مصادر ، أحدها وأهمها التجار وأصحاب المصانع العراقيين حيث يمكن أن يتقاضى المركز منهم عمولة منخفضة قد تقل عن 10% من قيمة المبيعات لقاء بيع منتجاتهم ، وبذا فان بإمكان صاحب المصنع أو التاجر أن يجد له سوق مضمون يسهل التعامل معه ، وفي نفس الوقت سيستفيد المركز من ربح مضمون ايضاً ، هذا بالإضافة إلى تحقيق الهدف الحقيقي في خدمة التجارية والصناعة العراقية .

التنسيق بين التجارة والصناعة

إذا لم يتم التنسيق الدقيق بين التجارة والصناعة فان هنالك تضارباً ومنافسة يمكن حصولها لا بد وان تؤثر الواحدة على الأخرى من خلالها ، فعلى سبيل المثال : إذا أعطينا تسهيلات كمركية لبضاعة ما ورفعنا نظام الحماية المتبع (ولو نظرياً) عن بعض المنتجات المحلية ، فان ذلك سيقتل تلك الصناعة وهي في مهدها ، حيث إنها لا تستطيع أن تنافس إنتاج الشركات العالمية الكبرى العريقة في الخارج بما لديها من إمكانيات ، والعكس صحيح ، فان وضع الحماية للمنتج المحلي أما بفرض تعرفه كمركية عالية جداً على البضاعة المستوردة أو منعها تماماً ، سيجعل المنتج المحلي ضعيفاً ومتخلفاً وبعاهة دائمة وذلك لعدم وجود المنافس ، وما سيؤثره ذلك على الصناعة المحلية والمستهلك ايضاً . ولمعالجة هذه المسالة فانه لا يوجد حل واحد لهذه المشكلة ، بل توجد حلول مختلفة ولكل حالة دواء وعلاج . ومن الممكن دراسة كل صناعة بشكل مستقل ووضع الحلول لها ، ولكن هنالك حلول عامة يمكن إدراج بعضها هنا :

الدعم الحكومي المؤقت : هنالك كثير من الصناعات المحلية لا يمكنها النهوض ومنافسة الصناعات الأجنبية ، فمصنع البطاريات الذي ينتج عشرون ألف بطارية مثلاً ، لا يستطيع قطعاً أن يقف أمام مصنع ينتج عشرون مليون بطارية في العام ويستخدم احدث التكنولوجيات وله خبرة عريقة ، فإذا أعطينا هذا المصنع الحماية المطلقة بمنعنا استيراد البطاريات من الخارج فإننا سنبقى نستعمل بطاريات محلية بأسعار عالية وذات نوعية رديئة ، وتزداد رداءةً مع الأيام لعدم وجود المنافس . ولعل افضل الحلول أن نسمح باستيراد البطاريات من الخارج ولكننا ندعم هذا المصنع المحلي ببعض الأمور كان يعفى من الضرائب ، ويجهز بالطاقة الكهربائية وما يحتاجه من المحروقات بأسعار رمزية ، ويعفى من إيجار الأرض وغير ذلك من الدعم الذي يجعله قادراً أن يقف على قدميه في السوق لمنافسة خصمه القادم من الخارج ، والذي عليه دفع الضرائب في بلاده والرسوم الكمركية عند دخوله ، ويحتاج إلى دفع فواتير النقل والشحن والعمولات المختلفة . إن الدعم يمكن أن يكون بصور متباينة ، ولكل نوع من الصناعة هنالك طريقة قد تكون مختلفة للدعم والمساعدة ، ومن الممكن تشكيل لجان متخصصة ذات خبرة في الأسواق ، لتقرر نوع الدعم الواجب .

إعطاء الأولوية للصناعات التي تعتمد على المواد الخام المحلية : هنالك الكثير من الصناعات التي تعتمد على المواد الأولية الخام المتواجدة في المنطقة ، والتي تصدر إلى الخارج في اغلب الأحيان وبأسعار بخسة ، إن هذه الصناعات اقدر على الصمود في وجه البضاعة المستوردة وربما لا تحتاج إلى الكثير من الدعم ، فالصناعات الجلدية تستطيع مواجهة التنافس الخارجي بقليل من الدعم وتوفير المواد التي تحتاجها ، وصناعة معجون الطماطم مثلاً يمكن لها أن تنجح إذا أقمنا مصنعاً لهذه المادة بين مزارع الطماطم في المنطقة الجنوبية من البصرة وبدعم قليل ،  كالإعفاء الكمركي للمكائن وما تحتاج عملية التعليب من صفائح معدنية ، وإيصال الماء والغاز والطاقة الكهربائية إلى المصنع وتجهيزه إياها بأسعار مخفضة ، أو تقديم قروض بفوائد رمزية . ومشروع لتعليب التمر أو تصنيع الدبس أو ما شاكل ذلك لا بد وان يكتب له النجاح ومنافسة المصانع الأخرى في الدول المختلفة ، والتي تحتاج إلى استيراد التمر من مصادره ، أو شراءه من أسواقها المحلية التي تعتبر مرتفعة جداً مقارنة بالسوق العراقية ، وقس على هذا .

مساندة الشركات التجارية للمشاريع الصناعية : في بعض الأحيان تكون التجارة هي سبب نجاح الصناعة أو الزراعة لا عرقلة نموهما ، فمعظم المصانع المحلية لا تستطيع أن تصدر إنتاجها إلى الأسواق المحلية حتى لو كانت ذات جودة عالية وأسعارها ارخص من المنتجات الأخرى ، وذلك بسبب احتكار السوق في الدول الأخرى ، من قبل جهات معينة والتي يطلق عليها أحياناً (مافيات السوق) ، والتي لا تسمح لأي إنتاج آخر غير الإنتاج الذي تستورده هي بان يباع في الأسواق ، وكما ذكرنا سابقاً ، واحد الحلول المقترحة هو إنشاء شركات تجارية مدعومة من قبل الدولة تستطيع أن تفتح لها مراكز ومعارض خاصة بها في الأسواق العالمية ، تستطيع من خلالها كسر طوق تلك المافيات والدخول إلى السوق ، وتصريف بضاعة الصناعات المحلية .

الاستفادة من الجاليات العراقية في المهجر : لقد اصبح التواجد العراقي في المهجر يسبب أحد الإيجابيات المهمة لتطور الصناعة والتجارة العراقية ، وإيجاد الأسواق لها ، ذلك لان تلك الجالية يمكن أن تكون مستهلكة لكثير من الإنتاج المحلي الذي يتم تصديره ، فعمليات تصدير بعض الملابس التي يمكن إنتاجها في المنطقة الحرة ، من المؤكد أن يجد الكثير من الأسواق التي يمكن أن تشكلها الجاليات العراقية ، أما لاستهلاكها الخاص أو الاستفادة من المحال التجارية التي أقامها بعض أفراد تلك الجالية بتصريف هذه البضاعة ، وكل ما نحتاج إليه هو أن نصنع ما تحتاجه تلك الجالية ، ونقدم لهم بعض التسهيلات الائتمانية في الاستيراد ، وتقليص الروتين الحكومي أمامهم وما إلى ذلك ، وعلى الأخص في الصناعات الغذائية التي هم في حاجة إليها ، فتصدير الدبس العراقي إلى الجالية العراقية في بريطانيا مثلاً ، والتي يقترب تعدادها من النصف مليون ، لا بد وانه سيشكل سوق ذات أهمية كبيرة لمثل هذه الصناعة على وجه المثال .

الزراعي في محافظة البصرة

ربما يعتقد الكثيرون إن الوضع الزراعي في مدينة المستقبل لا يمكن أن يكون مسايراً إلى الوضع السياحي والتجاري والصناعي وذلك لقلة الأراضي الزراعية في المحافظة وارتفاع الأملاح في مياه الأنهار ، وانتشار السبخ في الأراضي الزراعية ، وقد يأمل المتفائلون إن المدينة إذا استطاعت أن تسد حاجة السكان إلى ما يحتاجونه من الخضر وبعض الفواكه فان ذلك شيء مقبول ، وعلى الأخص إذا حصل فيها الانفجار السكاني المتوقع ، ولعل مرد هذا الاعتقاد إلى ما كانت تعانيه المدينة من نقص في أسواقها من الخضار والسلع الزراعية في عقد السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، وعلى الأخص عندما زاد سكان المدينة بسبب الهجرة الكبيرة التي وردت إليها من المحافظات الأخرى ، ثم من المهاجرين العرب والعاملين الأجانب الذين اصبح عددهم يوازي سكان المدينة ويزيد .

إن الباحث هنا قد يخالف هذا الرأي ، ويعتقد إن البصرة يمكن أن تكون مدينة زراعية تستطيع أن تسد معظم احتياجاتها من الغذاء ، بالإضافة إلى إنها تكون منطقة تصدير لكثير من المواد الزراعية ، ولعل رجوعه (الباحث) إلى المصادر التاريخية ووضع الزراعة في البصرة في العهود الإسلامية هي أحد الأسس الرئيسية التي يعتمد عليها في استنتاجاته ، فنحن لا ندرس التاريخ لمجرد التسلية ، أو الشعور بنشوة الماضي بالدرجة الأولى ، وانما باستخلاص العبر والاستفادة من التجارب السابقة ، وقد لا تكون العبر والتجارب كلها سياسية أو اجتماعية أو دينية ، وانما للمهندسين والعلماء نصيب من هذه التجارب ، وللباحث كتاب قيد الطباعة بعنوان “الجدوى الهندسية من دراسة التاريخ” ،  يرجى العودة إلى موضوع (الزراعة في مدينة البصرة القديمة) .

أهم أسباب التخلف الزراعي في منطقة البصرة :

قبل البحث في تطوير الزراعة في منطقة البصرة علينا معرفة أسباب التخلف الزراعي فيها ، فمعرفة الداء  – وكما يقول المثل  – هي نصف العلاج . هنالك أسباب كثيرة تقف أمام التخلف الزراعي العراقي بشكل عام ، وفي البصرة بشكل خاص ،  واهم تلك الأسباب – وكما يعتقد الباحث – ما يلي :

المشاكل القانونية : هنالك بعض القوانين تعرقل التطور الزراعي في العراق ككل ، ولكنها تؤثر على منطقة البصرة بشكل مضاعف ، ومن تلك القوانين قانون الإصلاح الزراعي الذي كان له تأثير قاتل على بساتين النخيل بشكل خاص ، والتي قلت إنتاجية بعضها لتصل إلى ما يقارب الصفر ، فاول فقرة من هذا القانون تقول : لا ترحيل أو سجن للفلاح ، وبالرغم من إن القانون حدد مسؤوليات الفلاح وواجباته بجانب حقوقه ، إلا أن الحصانة التي أعطيت له جعلته يتمرد على القانون ولا يقوم بواجبه .

والقانون الذي حدد سيطرة الدولة على تجارة التمور مما جعل أسعارها متدنية بشكل كبير جداً ، فلم يعد الفلاح يهتم بالنخلة أو إنتاجها ، واصبح يفضل أن يترك الأرض بدون حراثة (عمار) حتى يسمح للحشائش بالنمو ويستفيد منها بتربية بقرته وبضعة رؤوس من الغنم ، وسنأتي إلى ذلك بالتفصيل في معالجة مشكلة النخيل في البصرة .

أما الملاكون (ملاك بساتين النخيل) فانهم توقفوا عن أي إصلاح في أراضيهم ايضاً لعدم إطاعة الفلاح لهم من ناحية ، ولخوفهم أن يتحول الفلاح إلى مغارس وحسب القانون ، ويعطى بذلك حقوقاً إضافية في الأرض في حالة زراعة أشجار جديدة أو فسائل للنخيل في الأرض .

ليس قانون الإصلاح الزراعي هو القانون الوحيد الذي يقف حائلاً أمام الزراعة ، فهناك بعض القوانين الأكثر تطرفاً وغرابة ، منها عدم السماح للمزارعين باستغلال الأراضي النفطية والعسكرية والتي تحتل الجزء الأكبر من الأراضي في منطقة البصرة ، فأراضي  نهر عمر والتي تعتبر واحدة من اخصب أراضي العراق ، لا يسمح بالزراعة فيها لأنها منطقة نفطية ، واكثر الأراضي المحيطة بمنطقة (الـمْدَيّنة – بسكون الميم وفتح الدال وتشديد الياء) ، والتي تعتبر سلة زراعة الخضار الصيفية في موسم الشتاء في العراق ، منع المزارعون فيها من مزاولة نشاطهم الزراعي لنفس السبب ، وهناك الكثير من المناطق الصحراوية والتي هي افضل من منطقة مزارع الزبير ، لا يسمح بزراعتها لأنها أما مناطق نفطية أو مناطق عسكرية .

ومن التأثيرات القانونية السلبية على الزراعة هي صعوبة عمليات التصدير والاستيراد ، فالقوانين تخضع إلى روتين واعتبارات سياسية وتلبية لحاجات آنية ، ولا تستند إلى خطط مدروسة .

  1. سيطرة الحكومة على تصدير بعض المنتجات الزراعية: من السلبيات القاتلة هو سيطرة القطاع الحكومي على تصدير بعض المنتجات الأساسية ، وعدم سماحه للقطاع الخاص أو للشركات الأجنبية بالاستثمار أو التصدير فيها ، ومن تلك القطاعات  تجارة التمور كما نوهنا ، وذلك في عقد الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، إن هذا الاحتكار أدى إلى تدني أسعار التمر وبالتالي إلى هلاك ملايين أشجار النخيل ، وانخفاض إنتاجية معظم الأشجار الأخرى نتيجة لأنها أصبحت غير مجدية  يرجى مراجعة بحث (مشاكل النخيل في العراق) ، ومثال آخر وان كان اقل تأثيراً إلا انه يعطي صورة جلية للقاري الكريم ، هو تصدير جذور شجيرات السوس ، وهذه الشجيرات كانت تنمو في مناطق مختلفة من العراق ، وتزعج أصحاب الأراضي ، فكان هناك بعض التجار يقوموا بجمع جذور تلك الشجيرة ، ويدفعون لأصحاب البساتين بعض المبالغ ايضاً ، ثم تجمع بواسطة شركة بريطانية ويتم تصديرها إلى مصانع الأدوية في العالم ، إن صدور قانون بتأميم هذه الشركة بحجة إن الدولة ستقوم بهذا العمل ، قد أدى إلى القضاء النهائي على عملية التصدير ، وخسر مئات من المواطنين أعمالهم وخسر البلد أحد مصادر الدخل .

بالرغم مما كان لنظام الإقطاع القائم في العراق من المساوئ الإنسانية الكثيرة ، ولكن القضاء عليه بشكل غير مدروس تماماً أدى إلى انهيار الزراعة في أنحاء العراق ككل وشمل ذلك الانهيار مناطق كبيرة من محافظة البصرة .

لحل المشاكل القانونية يمكن إنشاء هيئات متخصصة تضم بالإضافة إلى رجال القانون ، بعض المختصين في الزراعة والتجارة والمعنيين بهذه الأمور ، والذين واكبوا تطبيق القوانين السابقة وتأثيرها على الزراعة ، وكذلك عرضها على مجلس للخبراء يضم عدد من أصحاب الخبرة ، كما يفترض أن يدرس كل تعديل في القوانين ، كما ويدرس أي مشروع يقام في البلد من قبل مجلس الخبراء هذا ، ولا بد أن يبدي عليه آرائه وملاحظاته قبل عرضها على المجلس الوطني المنتخب بشكل حقيقي ، وذلك لإصلاح الوضع القانوني بشكل يحقق التقدم الزراعي ، ووضع مصلحة البلاد العليا قبل أي اعتبار سياسي ، بل ويترك للمواطنين ايضاً فرصة إبداء الرأي ومناقشة النصوص القانونية قبل أن تصبح نافذة المفعول .

  1. العامل العلمي: إن التخلف العلمي في القطاع الزراعي كان له تأثير كبير جداً في التخلف الزراعي ، ولم تعطي الجهات الرسمية أي اهتمام بتطوير العلوم الزراعية ، سواء منها النظري أو العملي ، بل إن معظم خريجي الكليات والمعاهد الزراعية وعلى كثرتهم ، كانوا يعينون بوظائف إدارية وحسابية في دوائر الدولة ، ونلخص فيما يلي بعض ذلك :

         ¨          قلة الكوادر المؤهلة التي تمارس النشاط الزراعي : فبالرغم من كثرة الخريجين من الكليات والمعاهد الزراعية ، فأننا نلاحظ عدم اشتراكهم الفعلي في الزراعة ، وعدم وجود مزارع مملوكة من قبلهم .

         ¨          قلة أو سوء استخدام الأسمدة والمبيدات الكيماوية : الأسمدة الكيماوية في العراق غالباً ما تستخدم بطرق غير صحيحة ، وبدون معرفة لمقدار حاجة الأرض لها ، وكمية تلك الحاجة ، وهذا يعود إلى جهل الفلاح وعدم خبرته بتلك الأسمدة ، وكذلك قلة خدمات الإرشاد الزراعي في هذا الجانب .

         ¨          عدم استخدام الوسائل الحديثة في الزراعة : وهذا يعود إلى جهل الفلاح ايضاً ، وإهمال الدولة لتطوير الزراعة ، وعدم فسح المجال للكوادر المتعلمة بممارسة تخصصاتها ، وعدم الاهتمام بمواكبة الثورة الزراعية الحاصلة في الدول المتقدمة .

          ¨         ندرة البحوث العلمية لأغراض تنمية الزراعة : وسبب ذلك جهل المسؤولين وعدم كفاءتهم ومعرفتهم بأهمية تلك الأبحاث بالدرجة الأولى ، وعدم توجه الدولة إلى الجانب الزراعي .

ويمكن معالجة هذه الأمور بتوزيع الجزء الأكبر من الأراضي المستصلحة على الكوادر الفنية المتعلمة ، وتوسيع خدمات المصرف الزراعي لتجهيزهم بالمعدات الزراعية والبذور الحسنة والأسمدة والمبيدات ، وكذلك الإكثار من مراكز الأبحاث التي تتناسب وحاجة البلد ، وإنشاء مزارع نموذجية في كل منطقة لغرض تأهيل وتدريب الفلاحين ، وإجراء التجارب الزراعية في سبيل تطوير طرق الزراعة على أسس حديثة ، وتوفير عدد كافي من مراكز تحليل التربة ، وتشجيع القطاع الخاص ودعمه للقيام ببعض هذه المهمات كي يخفف أتعبأ عن كاهل الدولة .

  1. ارتفاع ملوحة الأرض وقلة مشاريع البزل المقامة حالياً: هنالك عدد كبير من الأسباب أدت إلى ارتفاع نسبة الأملاح في التربة ، وتحول الكثير من الأراضي إلى أراضي سبخة ، يمكن الرجوع لمعرفة تفاصيلها إلى بحث (أهم مشاكل الزراعة في العراق وطرق حلها) .
  2. تذبذب السوق في العرض والطلب بسبب سوء الإدارة: ويعود ذلك إلي عدم وجود تخطيط واضح وبعيد الأمد ، عن تطوير المنتجات الزراعية والإنتاج الحيواني ، وانما كانت تغلب على الخطط الارتجالية التي تحددها الحاجة الآنية .

أحد الأمثلة ، إنتاج البيض في العراق ، فانه يوضح مدى التأثير السلبي الذي تسببه سوء الإدارة . لمعرفة التفاصيل يرجى الرجوع إلى بحث (مشاكل الزراعة في العراق وطرق حلها) .

  1. قلة الصناعات الزراعية وتخلفها: لم يتم الاهتمام بالصناعات الزراعية بالرغم من أهميتها ، فعدد مصانع معجون الطماطم مثلاً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، ومصانع الدبس الحديثة لا يزيد عددها عن اثنان ، ومصانع تعليب الفواكه غير موجودة ، وقس على هذا ، إن هذا التخلف الشديد في الصناعات الغذائية لا يكون أثره على السوق الاستهلاكية الداخلية فقط وانما على تطور الزراعة ايضاً ، ولمزيد من المعلومات يمكن مراجعة بحث (مشاكل الزراعة في العراق وطرق حلها)  .

أهم المزروعات التي يمكن زراعتها في البصرة :

هنالك قائمة كبيرة من المزروعات التي يمكن أن تنتج ، لا لتسد الحاجة المحلية والسوق العراقي فقط ، وانما يمكن أن يتم تصديرها إلى العالم الخارجي ايضاً ، ونستطيع تقسيم هذه المنتجات إلى مجموعتين :

المجموعة الأولى هي المزروعات التي تنتج فعلاً ويمكن التوسع في زراعتها وإنتاجها ، والمجموعة الثانية التي لا تنتج في الوقت الحاضر ، أو إن إنتاجها ضيق جداً وعلى مستوى غير تجاري ، ويمكن تحويلها إلى المنتج التجاري .

المزروعات التي تنتج فعلاً : لقد شهدت مدينة البصرة تجربة زراعية رائدة استطاعت من خلالها أن تسد حاجتها من بعض المواد الغذائية وتصدير الباقي إلى بقية محافظات العراق ، إلا وأنها المزارع الصحراوية ، والتي سنتكلم عنها فيما بعد ، ولكن أسباباً كثيرة جعلت البصرة عاجزة عن التطور الزراعي في المناطق الأخرى والتي هي اكثر خصباً وأوفر ماءً ، واهم الأمور التي عاقت انتشار الزراعة هي قوانين الدولة التي تحضر استزراع 90% من الأراضي الزراعية في المنطقة وقد تم بحث ذلك في أهم أسباب التخلف الزراعي في البصرة ، ولعل أهم الموارد الزراعية التي تنتج في المنطقة هي :

التمور : كانت البصرة المنطقة الأولى في العالم في زراعة النخيل وانتاج التمور ، حيث كان عدد النخيل في العراق حسب إحصائية عام 1954 يقدر بحوالي 75 مليون نخلة ، منها 50 مليون نخلة في البصرة ومنطقة شط العرب ، انخفض إلى اقل من 50 مليون نخلة عام 1965 في جميع أنحاء العراق وبدأ هذا الرقم بالتراجع وعلى الأخص بعد الحرب العراقية الإيرانية إذ تم قطع عدد كبير من أشجار النخيل لأسباب عسكرية ، حتى وصل عدد النخيل في البصرة وكما تشير آخر التخمينات إلى اقل من أربعة ملايين في منطقة شط العرب ، وان معظم هذا النخل ايضاً اصبح ذو إنتاجية قليلة جداً بسبب سوء العناية والأمراض التي تصيبه . إن موضوع النخيل في البصرة يحتاج إلى بحوث مطولة لتغطيته ولا يمكن معالجته بهذه العجالة ، ولكن المتفق عليه عند كل خبراء العالم إن الأنواع المنتجة من التمور في البصرة تعتبر الأجاود وبدون منازع ولمزيد من المعلومات يمكن العودة إلى بحث (مشاكل النخيل في العراق) .

البصل والثوم : تنتج المزارع الصحراوية كميات كبيرة من البصل الأبيض الذي يصلح لعمل (السلطة) والذي يمكن اعتباره أجود أنواع البصل لهذا الغرض ، وقد يبلغ وزن الرأس الواحد في بعض الأحيان اكثر من كيلوغرام واحد ، وكذا الحال بالنسبة إلى الثوم فان نوعيته ممتازة ، إن هنالك سوق عالمي كبير لهذين المنتجين بالإضافة إلى السوق المحلية ، وعلى الأخص إذا عرفنا إن أسعارهما في العراق منخفضة جداً بالمقارنة مع الأسواق العالمية .

الطماطم الشتوية : لقد أصبحت المزارع الصحراوية تنتج كميات كبيرة من الطماطم في موسم الشتاء حيث تجهز كافة أنحاء العراق في فصل الشتاء بهذه المادة . إن من الممكن التوسع بإنتاج الطماطم الشتوية ومضاعفة الكميات المنتجة إذا استخدمنا طرق الري الحديثة كطريقة (التنقيط) ، إذ يمكن مضاعفة الأرض المزروعة وبنفس الكمية من الماء من ثلاث إلى سبعة أضعاف ، هذا إذا توفر السوق لذلك ، إن تشجيع التصدير وإقامة مصانع تجفيف الطماطم وانتاج (معجون الطماطم) سيمكن المزارعين من مضاعفة إنتاجهم وتطوير مزارعهم .

الخضار : تجهز مزارع البصرة المدينة بمعظم ما تحتاج من إليه خضار ، ومن المعروف إن أنواع الخضار المنتجة محلياً تعتبر من الخضار المميزة ، فعلى سبيل المثال فان الخس المنتج محلياً يعتبر من احسن أنواع الخس المعروف ، كما إن الخضار الصيفية وبصورة عامة تكون على درجة عالية من الجودة .

الخضار الصيفي المنتج في الشتاء : إن المزارع الصحراوية وكذلك المزارع في منطقة (المدينة) و(القرنة) و(نهران عمر) ، يمكنها إنتاج الخضار الصيفي المنتج في فصل الشتاء ايضاً بالإضافة إلى الطماطم ، ومن أنواعها : الباذنجان والخيار والبامية والقرع والبطيخ وغير ذلك ، وذلك بتغطية تلك المزروعات بالبلاستك الشفاف ، والذي يكون بيوت زجاجية قليلة التكلفة ، إن الطلب كبير على هذه الأنواع من الخضار عالمياً ، كما وان أسعارها المرتفعة يفتح مجال إمكانية تصدير هذه المواد إلى الخارج ، والتوسع في هذا التصدير بالإضافة إلى سد السوق المحلية التي ستتضاعف احتياجاتها بما يتوقع من انفجار سكاني ، وزيادة في الاستهلاك الفردي إذا ما تحسنت الأحوال المعيشية ، إن هذه الزيادة في الطلب على هذا الخضار على مستوى العراق والخارج ستشجع المزارعين بمضاعفة الإنتاج لمرات كثيرة .

بعض الفواكه المحلية : لقد كانت البصرة تنتج الكثير من الفواكه قبل عدة عقود ، ولكن بعض الفيضانات لشط العرب قضت على معظم تلك الأشجار ، ولم تستطع المدينة تعويضها كما كان يحدث سابقاً بسبب القوانين الزراعية الجديدة ، حيث اصبح الملاك غير متحمس لزراعة تلك الفاكهة من جديد ، والتي هي بيد الفلاح ولا يستطيع الاستفادة من إنتاجها كما كان سابقاً ، والفلاح غير قادر ايضاً لضعف إمكانياته المادية وجهله في كثير من أمور الزراعة ، ومع ذلك فقد بقيت بعض الفواكه تنتج بشكل بسيط كالعنب ، وهو ذو نوعية مميزة في درجة حلاوته ، وكذلك السدر (النبق) والذي يعتبر من أجود أنواع السدر في العالم ، وحسب معلومات الباحث ، كما إن لفاكه المانكو (المنكه) بعض الوجود ، وبعض أنواع الرمان وقليل من أشجار التين وغير ذلك .

من الممكن قطعاً التوسع في إنتاج الفواكه التي مر ذكرها وعلى الأخص التمور فان هنالك إمكانية كبيرة لاعادة أعداد أشجار النخيل إلى سابق عهدها واكثر ، كما وبالإمكان انتقاء الأنواع الجيدة من التمور ، والمفضلة في الصناعة أو التصدير ، وذلك بتكثيرها بفضل ما توصلت إليه العلوم الحديثة من طرق التكثير (بالأنسجة) ، وبدل الطريقة المتعارفة (بالفسائل) ، والتي تحتاج إلى مدة طويلة لتكثير نوع معين يزداد الطلب عليه ، مما سيكون له اثر فعال أن يصبح إنتاج التمور في المستقبل القريب مورداً رئيسياً ، ومادة أولية صناعية في الصناعات الغذائية في العراق بشكل عام والبصرة بشكل خاص .

المواد التي لا تنتج في الوقت الحاضر : هنالك كثير من المزروعات التي يمكن إنتاجها في البصرة ، والتي لم تجري محاولات جادة أو اهتمام حقيقي بها لحد الآن ، ويمكن أن تكون ذات مردود اقتصادي وغذائي كبيرين . إن بعض هذه المزروعات غير معروفة أو متعارف عليها في الوقت الحاضر ، بينما البعض الآخر معروف ولكن لم يتم التفكير في إنتاجه في شكل تجاري ، ومن هذه المزروعات وعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما يلي :

زراعة الزهور : تقدر تجارة الزهور في العالم بنحو 50 مليار دولار في السنة ، وبعض الشعوب كالإيطاليين مثلاً يقدمون شراء الزهور على شراء المواد الغذائية ، وقد تنبهت إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة لهذا ، فشرعت بمشروع يكلف خمسة مليارات دولار ، لزراعة الزهور وخزنها وتصديرها ، على الرغم من إن الإمارة المذكورة تعاني من جو شديد الرطوبة في الصيف قد يشكل عقبة في زراعة بعض تلك الزهور ، وقلة في المياه الحلوة مما سيضطرها لاستخدام المياه التي تتم تحليتها ذات الكلفة العالية .

إن زراعة الزهور لأغراض التصدير يمكن أن تكون تجارة رابحة ، فلو استطعنا من كسب 2% فقط من سوق الزهور في العالم ، لكان ذلك يعني مليار من الدولارات سنوياً ، كما وان جو البصرة الدافئ مع استعمال البيوت الزجاجية سيمكن من زراعة الكثير من هذه الزهور وتصديرها لدول العالم المختلفة . وهذا المشروع يحتاج إلى الكثير من الدراسة ، وتطبيقه ممكن ومجدي وحسب ما يعتقد الباحث ، وعلى الأخص فالعراق يملك كوادر علمية كبيرة يمكن تسخيرها لمثل هذه المشاريع ، كما يملك الكثير من خريجي الكليات والمعاهد الزراعية الذين يستطيعوا القيام بمثل هذه الزراعة التي تحتاج إلى المعلومات والخبرة العلمية العالية ، ويعد الباحث بعض التصاميم المبتكرة لمزارع الزهور المختلفة ، تلك التصاميم التي بإمكانها تنظيم درجات الحرارة داخل تلك المزارع وحسب الحاجة .

زراعة الموز : يستورد العراق كميات كبيرة من الموز سنوياً ، وهو يحتاج المزيد ، وبالرغم من وجود إمكانيات كبيرة لزراعة الموز فانه لم تجر محاولات جادة لزراعته حتى ألان ، علماً بأنه تمت زراعته في دول أجوائها اقل صلاحيةً لمثل هذه الزراعة ، كما حصل في لبنان ، فان المزارعين اخذوا بقلع أشجار البرتقال وبقية الحمضيات وزراعة الموز بدلها ، لما له من مردود اقتصادي عالي ، مع العلم انهم يحتاجوا إلى بيوت زجاجية تصنع من رقائق البلاستك الشفاف لحماية تلك الأشجار من البرد ، ولتوفير جو رطب نسبياً لها .

التوسع بزراعة الموز سيحتاج إلى بعض التجارب والأبحاث في حقول تجريبية لاختيار احسن الفصائل التي يمكن زرعها في العراق ، لان هناك فصائل تزرع في مناطق الشرق الأوسط كمصر وقبرص ، والتي تنتج موزاً صغير الحجم ، وقد نجحت الأبحاث في الأرض المحتلة من إنتاج بعض الفصائل التي تنتج موزاً كبير الحجم نسبياً ، لذا فان المزيد من الأبحاث والتجارب سيجنب الفلاحين الكثير من المشقة والعناء ،ويجعل هذا الناتج اكثر ربحاً لهم .

زراعة أشجار السدر : بالرغم من أن السدر (النبق) ينمو في معظم أنحاء العراق وحتى في المناطق الصحراوية منه ، كما ينمو في مناطق متفرقة من العالم ، إلا إن ملائمة المناخ في البصرة لهذا المنتج تكاد تكون مثالية ، فهناك أنواع كثيرة منه ، ولكل نوع شكل وطعم مختلف ، وما موجود منه في البصرة يكاد يكون مميزاً على ما يوجد في المناطق الأخرى .

بالرغم من إن زراعة السدر هي قائمة في الوقت الحاضر ومنذ زمن بعيد ، إلا انه لم يزرع بشكل تجاري لحد الآن ، ونظراً لكثرة الطلب الداخلي عليه ولإمكانية تصديره للخارج ايضاً ، وأسعاره ما زالت عالية ، لذا فان بالإمكان إقامة مزارع متخصصة له يديرها مزارعون على دراية علمية كافية ، كما تعزز تلك المزارع بآلات قد يمكن تصنيعها وتصميمها محلياً ، أو بمساعدة بعض الجهات الهندسية في الخارج ، لتسهيل عملية الجمع والفرز والتعليب والتصدير . هذا بالإضافة إلى النحل الذي يعيش على أزهار السدر ينتج نوعية عالية الجودة من العسل ، ويمكن إيجاد الأسواق المحلية والعالمية له بكل سهولة ، وإيراده ستعتبر أرباحاً إضافية إلى المزارعين .

زراعة المانكو (المنكة أو ما يطلق عليها محلياً العنبة) : هنالك بعض أشجار المانكو المتفرقة في مناطق البصرة ، وبالرغم من إن أسعار المانكو عالية في الأسواق المحلية ، وانتاج شجرة المانكو عالي جداً ، كما وتعتبر زراعته ناجحة بشكل كبير في مناطق البصرة ، إلا انه لم تجرى محاولات جادة لإقامة مزارع متخصصة بزراعة المانكو ، فإقامة مثل هذه المزارع سيكون لإنتاجها سوقاً كبيراً في داخل العراق ، كما ويمكن تصديرها إلى الخارج ، لان هنالك سوق متنام الطلب عليها ، كما يمكن إقامة المصانع التي تقوم بتعبئة عصير المانكو أو لحفظها داخل علب ، لغرض الاستهلاك المحلي والتصدير الخارجي ايضاً .

الوسائل المقترحة في تطوير الزراعة :

إذا استثنينا إنتاج التمور وبعض الخضار وعلى الأخص الصيفية التي تنتج في فصل الشتاء ، فان البصرة تعتمد اعتماداً كبيراً على المحافظات العراقية الأخرى في سد حاجاتها الزراعية في الوقت الحاضر ، وبالاستفادة من الدروس التاريخية والتي تبين إن أراضي البصرة عند الفتح الإسلامي تحولت من أراضي سبخة قليلة الزراعة إلى منطقة زراعية رئيسية ، حتى قيل عن بعض أنهارها بأنها جنة الله على الأرض ، وبلغ مجموع الأنهار التي شقت فيها بحوالي 20,000 نهر ، كما صنفت مناطق نهران عمر على إنها واحدة من اخصب أراضي الدنيا ، وقال الخليفة هارون الرشيد بحق البصرة ، إن ذهب العالم كله لا يعادل قيمة نخيل البصرة .

أما عن الوقت الحاضر فان نجاح المزارع الصحراوية خلال العقود المنصرمة لتصبح منتج رئيسي للخضار في الشتاء وعلى مستوى العراق ، كل هذا يبين إمكانية تحول البصرة إلى منطقة زراعية مهمة ، ولكن ذلك لا يأتي باليسير ، فهنالك الكثير من العقبات ، ومن المشاريع التي يجب القيام بها لتحقيق ذلك ، ولعل من تلك المشاريع ما يلي :

إنشاء المزارع النموذجية التجريبية : لعل أول المهام التي يجب القيام بها هو إنشاء مزارع نموذجية تحت إشراف عدد من ذوي الاختصاص والتجربة العاليين ، وهناك مهام كثيرة لهذه المزارع منها : تجربة احسن المحاصيل وافضل الفصائل التي يمكن زراعتها ، وكميات الأسمدة التي تحتاجها ، ونوعية المياه التي يمكن استخدامها في الري . وعلى سبيل المثال ، فالتجارب التي تجرى على زراعة شجرة الموز تستوجب إقامة مزرعة لهذا الغرض ، وتتم التجارب على فصائل مختلفة للموز ، وربما تهجين أنواع جديدة تكون اكثر ملائمة لبيئة المنطقة ، أو اكثر إنتاجية من بقية الفصائل ، أو من التي تنتج الموز الأكبر حجماً  ،  وإيجاد افضل درجات الحرارة التي سيحتاجها كل صنف ،  وهل تحتاج تلك المزارع إلى بيوت مغطاة برقائق البلاستك الشفاف أثناء الشتاء ؟ وما هي درجة ملوحة الماء التي تتحملها تلك الأشجار ؟ وما تأثير ذلك على الإنتاج  ؟ …. الخ  من الأسئلة والمعلومات التي قد يحتاج الفلاحون إلى وقت طويل وجهد كبير لاكتشافها ، وقد لا يجازف الكثيرون منهم في زراعة لا يعلمون عنها شيئاً .

استخدام الطرق المتطورة في الزراعة والري : لقد أصبحت الزراعة علم وتقنية اكثر منها مهنة يمارسها الفلاح ، وأمست تسيطر على أسواق الإنتاج الزراعي الدول المتقدمة علمياً وصناعياً ، فمعدل إنتاج الهكتار من الأرض عند زراعته بالقمح لا يزيد في العراق عن نصف طن كثيراً ، بينما يرتفع الإنتاج في الولايات المتحدة عن أربعة أطنان ، أي حوالي ثمانية أضعاف الإنتاج . وهذا الفرق يعود أساساً إلى استخدام الطرق المتطورة في الزراعة .

أما في عملية الري ، فان استخدام الطرق المتطورة كطريقة التنقيط فيمكنها من تقليل كمية الماء المستخدم في زراعة بعض الأشجار والخضار إلى اقل من الثلث ، أما إذا استخدمنا البلاستك في تغطية الأرض فان هذه النسبة تنخفض كثيراً ، فبالإمكان زراعة سبعة إلي ثمانية أضعاف الأرض بنفس الكمية من الماء . يعتبر استخدام الطرق الحديثة في الري على جانب كبير من الأهمية في الوقت الحاضر ، والذي نعاني فيه من نقص في كميات المياه المخصصة للزراعية في وقت تتضاعف فيه النفوس كل عقدين ونصف تقريباً .

الاعتماد على الكوادر المتعلمة في الزراعة : ليس من اليسير تطوير طرق الزراعة والري دون الاعتماد على الكوادر المتعلمة في الزراعة ، وهذا لا يعني أننا سنعتمد على خريجي الكليات والمعاهد الزراعية فقط ، ونمنع الغير دارسين من الزراعة ، وانما سنعتمد على هذه الطبقة المتعلمة ونساندها ونقدم العون لها ، وبنجاح هذه الطبقة في تطوير الزراعة ، فان هذه الطرق العلمية المتطورة ستنتقل إلى بقية المزارعين عن طريق الاقتباس ، وبشكل سريع .

تطوير المزارع الصحراوية : بالرغم من أن الزراعة في المزارع الصحراوية في منطقة الزبير تبدو قديمة ولكن أعداد تلك المزارع بدأت بالازدياد بشكل مضطر ، ولعل أهم أسباب نجاحها يعود إلى أنها غير خاضعة لقانون الإصلاح الزراعي ، وقد اثبت هؤلاء المزارعين على انهم على درجة عالية جداً من الذكاء والفطنة ، فقد ابتكروا عدة أمور للتأقلم مع الصحراء وزراعتها ، ومن تلك الابتكارات انهم كانوا يحيطوا قطعة الأرض المراد زراعتها بسياج من الحصران (جمع حصير ويطلق عليها محلياً البارية ، وهي تصنع من القصب) ، وتثبت بأعمدة من الخشب . ووضيفة هذا السياج هو لوقاية المزروعات من الرياح العاتية والعواصف الرملية ، والتي قد تقتل المزروعات أو تدفنها تحت طبقة من الرمل . لقد تم استبدال ذلك السياج الباهظ الكلفة بعمل سد ترابي حول المزرعة ، يقوم بنفس العمل ويكون اكثر متانة وأطول عمراً واقل كلفة ، فكلما يحتاجونه هو استئجار ماكنة حفر (شفل) للقيام بهذا العمل . أما الماء فكانت تحفر بئران أحدهما جنب الآخر بحيث يكون الثاني لا يصل إلى طبقة الماء ، حيث تنصب المضخة فيه ويمد أنبوب منه إلى البئر الأول ليسحب الماء منه ، والهدف من هذه العملية هو وجود الماء على عمق كبير نسبياً بحيث لا تستطيع المضخة من سحبه إذا وضعت على سطح الأرض ، والمضخات الغطاسة غالية الثمن وغير متوفرة في الأسواق المحلية . كذلك تغطى المزروعات بطبقة من البلاستك الشفاف ويصنع هيكل من قضبان الحديد وعلى شكل نصف دائرة بقطر حوالي متر ونصف توضع فوق المزروعات الصيفية التي يراد زراعتها في موسم الشتاء لتعمل بيوت زجاجية رخيصة .

لقد ازداد عدد هذه المزارع خلال العقود الأخيرة بشكل كبير حتى أصبحت تسد معظم حاجات العراق من الطماطم والبصل الأبيض والثوم خلال موسم الشتاء .

لعل هذه التجربة الرائدة يمكن تطويرها ، ولعل أهم طرق التطوير هو باستعمال طرق التنقيط في السقي ، والتي تستطيع من توفير ما يزيد عن 80% من مياه السقي ، كما ستقلل الأيدي العاملة اللازمة للهكتار الواحد إلى الثلث ، وهذا مما سيمكن المزارعين من التوسع في مساحات الأراضي المزروعة ، فالبئر التي كانت تسقي هكتاراً واحداً يصبح بإمكانها زراعة من ثلاثة إلى سبعة هكتارات ، وعدد العمال الذين يزرعون هكتار واحد سيزرعون من ثلاثة إلى أربعة هكتارات .

هذا من ناحية السقي أما من ناحية استخدام البذور فمن الممكن ، والعملي جداً ، إنشاء مراكز زراعية تدار من قبل اختصاصيين في الزراعة ، وتكون مهمة هذه المراكز والمختبرات هي إنتاج وبيع الشتلات على أصحاب المزارع ، وتقوم الدولة بمساعدتها في المراحل الأولى ، فبدلاً من استخدام البذور الغالية الثمن والمستوردة من الخارج ، فان من الممكن إتمام التكاثر بواسطة الأنسجة ، وهي إحدى الطرق الحديثة في التكاثر ، ولكي نعطي القارئ الكريم فكرة مبسطة عن هذا النوع من التكاثر نقول : إن مزارعي البطاطا في إنكلترا مثلاً استعاضوا عن استعمال حبات البطاطا لزراعتها ، بشتلات تنموا بطريقة الأنسجة ومنذ اكثر من عشرين سنة ، وقد وفرت لهم هذه الطريقة الكثير من الأموال ، فبدلاً من استخدام طن كامل من حبات البطاطا كبذور ، اصبح بالإمكان أن تستخدم حبتين أو ثلاثة فقط تكون منتقاة وذات مواصفات عالية جداً ، وخالية من كل الأمراض ، ثم تقطع تلك الحبات إلى قطع صغيرة وبطريقة معينة ، بحيث تحوي القطعة على خلية واحدة ، ثم تزرع تلك الخلية تحت ظروف معينة لتنبت شتلة لنبات البطاطا يمكن زراعتها وبواسطة الآلة .

لعل استخدام الطرق الحديثة لا يقتصر على السقي والبذور أو الشتلات ، بل يتعدى ذلك إلى تحليل التربة واختيار الأسمدة التي تحتاجها والمبيدات الحشرية ، واستخدام الآلة الميكانيكية ، وعمليات القضاء على الحشائش والنباتات الطفيلية التي تؤثر على نمو المزروعات ، وعملية زرع البذور وجمع المحصول بواسطة الآلة … الخ .

استصلاح أراضي نهران عمر والمدَيّنة والقرنة : عندما فتح العرب منطقة البصرة وتم بناءها ، أرسل واليها إلى الخليفة في المدينة المنورة رسالة يقول فيها : إن مصرنا من دون الأمصار ، سبخ أرضه ، ويشكو له في تلك الرسالة من قلة الأراضي الزراعية في المنطقة ، فخصص له الخليفة مبلغ خمسون ألف دينار ، تم فيها حفر نهر جديد شمال البصرة الحالية ، أطلق عليه نهر عمر ، ولم تمض فترة من الزمن حتى أصبحت تلك المنطقة تعد من اخصب أراضي الدنيا .

والآن وبعد اكثر من أربعة عشر قرناً ، نقف عاجزين لحل مشكلة السبخ بالمنطقة مع كل وسائل التكنولوجيا والمكننة الحديثة ، ويتخذ بعض المسؤولين قراراً بالانتقال إلى ارض الجزيرة وشمال بغداد لزراعتها ، وترك ارض الجنوب ، استناداً إلى بعض الأبحاث المشكوك في صدق نواياها ، لان ارض الجنوب وكما يدعون ، تحتاج إلى الكثير من الوقت والمال لإصلاحها ! وقد تناسوا أنها أول أراضي الدنيا التي اختارها الإنسان للزراعة الكثيفة أيام السومريين .

أما نهران عمر فلم يسمحوا بالزراعة فيها بحجة أنها أراضي نفطية ، وأنا أتسائل بصفتي الهندسية ، ما علاقة النفط باستصلاح الأرض الزراعية ؟  لقد شاهدت بأم عيني آبار النفط في اكثر من بلد في العالم تقع ضمن مزارع ، ولا يترك إلا بعض المئات من الأمتار لأجهزة استخراج النفط . ويحدثنا التاريخ إن المنقبين عن الذهب في كاليفورنيا عندما زاد بحثهم عن الذهب ، وقلّت المناطق التي يتواجد فيها هذا المعدن ، قال لهم أحد العلماء : افضل طريقة لاكتشاف الذهب واستخراجه هو زراعة الأرض بالبرتقال ، وصدقه أولياءك المعدنين البسطاء ، وبعد عدة سنين وهم ينتظرون صعود حبات الذهب إلى سطح الأرض كما وعدهم ، بدأت الأشجار تثمر ، فأشار إلى البرتقال وقال لهم : هذا هو الذهب الحقيقي !

من المؤكد أن استصلاح هذه المنطقة الزراعية المهمة سيعطي من الثراء اكثر مما يعطيه الذهب الأسود ، الذي لم يجر إلى البلاد غير الخراب ، ولأهلها غير الكسل . ونظراً لخصوبة هذه المنطقة ، فمن الواجب استخدام كل هذه التقنيات الحديثة من ري ومكننة وبذور محسنة وفلاحين دارسين ، وانتاج زراعي تجاري وصناعات زراعية والى آخر القائمة . وستكون هذه المنطقة واحدة من أهم سلال الغذاء والإنتاج الزراعي للعراق .

استصلاح الأراضي بين شط العرب والحدود الإيرانية : تمتد الأراضي في شرقي البصرة والتي تمتد بين شط العرب والحدود الإيرانية ، وعلى عمق قد يزيد عن عشرين كيلومتر . والشريط المحاذي إلى شط العرب وبعمق يتراوح بين كيلومترين إلى ثلاثة هي بساتين نخيل ، أما باقي الأراضي فقد كان يتم استغلال معظمها في زراعة القمح والشعير قبل عام 1958 ، ولكن بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي توقفت زراعتها وأصبحت أرضاً بوراً ، بل وان هنالك دلائل عملية تشير إلى أن الدولة كانت تمنع من زراعة تلك المنطقة لأسباب غير معروفة ! كما وان معظم النخيل في هذا الشريط قد تم القضاء علية ايضاً ، أما نتيجة الإهمال وللأسباب التي تم ذكرها ، أو أثناء فترة الحرب العراقية الإيرانية ، وبحجة الخوف من استخدام هذه المنطقة من قبل المتسللين الإيرانيين .

وهذه المنطقة ، أو جزء منها على الأقل ، وكما يعتقد الباحث ، يمكن تحويلها إلى منطقة سياحية وزراعية وسكنية في آن واحد (راجع بحث المربع السياحي الزراعي السكني) . ومن الممكن إيراد النتائج التالية التي وردت في ذلك البحث على فرض انه تم استغلال عشرون كيلومتر على امتداد شط العرب فقط من المنطقة المقابلة إلى مدينة البصرة :

عدد أشجار النخيل التي يمكن زراعتها سيتراوح بين : 7 – 8  مليون نخلة .

عدد الوحدات السياحية التي يمكن إقامتها : حوالي 160,000 بيت سكني .

عدد الشقق السياحية : حسب الحاجة .

عدد الفنادق السياحية : حسب الحاجة .

عدد السياح الذين قد تستوعبهم المنطقة : من مليون إلى ثلاثة ملايين سائح سنوياً .

عدد المزارع التي يمكن عملها في المنطقة :  حوالي 30,000 مزرعة .

عدد المزارعين الذين يمكنهم العيش في المنطقة مع عوائهم :  حوالي 30,000 نسمة .

عدد العاملين في خدمة المنطقة وأهلها والسائحين مع عوائهم :  يتراوح بين 500,000 – 650,000 نسمة بالتداخل .

مجموع سكان المنطقة من أهالي المدينة سيتراوح بين :  650,000 – 800,000  شخص .

هذا إذا تم استغلال مسافة 20 كيلومتر على الساحل الشرقي لشط العرب ، أما إذا زاد عن ذلك فان النتائج ستكون اكثر بطبيعة الحال .

حفر المزيد من الأنهار المتصلة بشط العرب : ذكرنا بان المصادر التاريخية تحصي الأنهار التي كانت تتصل بشط العرب بحوالي 20,000 نهر ، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية في ثراء المدينة . لعل حفر المزيد من الأنهار المتصلة بشط العرب في الوقت الحاضر ، أو إعادة حفر القديم منها ، وكري وتوسيع البعض الآخر ، سيزيد من مساحة الأرض المزروعة ويقلل من نسبة الملوحة في التربة بما ستسحبه مياه الجزر من أملاح معها ، كما سيجعل من الممكن إقامة المزيد من القرى السياحية .

إنشاء المخازن المبردة : هنالك الكثير من المنتجات الزراعية التي نحتاج إلى تحفظ بحالة مبردة أو مجمدة في مخازن التبريد ، وقبل إرسالها إلى الأسواق الداخلية أو الخارجية لحفظها من التلف ، وقد تكون تلك المخازن تستخدم أثناء عملية النقل وعلى شكل سيارات أو حاويات مبردة ترسل بالبر أو البحر . فالبصل أو الثوم المنتج في المزارع الصحراوية يمكن مضاعفة إنتاجهما إذا هيئنا المخازن المبردة لذلك ليمكن مضاعفة الفترة التي يستهلكا فيها ، فبدلاً من أن يكونا متوفرين لثلاثة اشهر مثلاً ، يمكن توفرهما لتسعة اشهر ، وبذا سيتضاعف استهلاكه ، كما ونستطيع تصديره إلى الأسواق الخارجية بواسطة حاويات مبردة ، وهنالك الكثير من المنتجات الزراعية التي يمكن حفظها بالتبريد أو التجميد .

إنشاء معامل التجفيف والتعليب : إن أحد عوامل تطوير الزراعة في البصرة بشكل خاص وبالعراق بشكل عام هو تصنيع بعض المنتجات الزراعية ، ولعل التجفيف والتعليب تعتبر من طرق الصناعات الغذائية التي يمكنها تطوير الزراعة ، فلنفرض أننا توسعنا في زراعة الموز في المدينة ، فلا بد لنا من إيجاد صناعة تجفيف الموز عندما يزداد الإنتاج عن الحاجة ، وكذا الحال في زراعة الطماطم فلا بد لنا من مصانع تقوم بتجفيف الطماطم أو تصنيع معجون الطماطم وتعليبه لتستوعب الكميات الزائدة عن الحاجة المحلية وحاجة التصدير ، وهنالك الكثير من المنتجات الزراعية التي يمكن حفظها بالتجفيف أو التعليب والاستفادة منها في السوق المحلي أو التصدير .

التنسيق بين السياحة والزراعة :

إن القرى السياحية التي تحدثنا عنها ، يمكن إنشائها في مناطق زراعية ، وهذا لا يعني إن السياحة ستكون على حساب الأراضي الزراعية ، بل العكس قد يكون هو الصحيح ، فيمكن تطوير الأراضي المهملة أو القليلة الزراعة وتحويلها إلى أراضي زراعية من الدرجة الأولى وتتخللها القرى والمناطق السياحية ، كان يتم تحويل الجهة الشرقية لشط العرب وكما ذكرنا قبل قليل ، والتي هي أراضي زراعية ذات إنتاجية قليلة جداً يمكن إهمالها ، فهي لا تحوي إلا على القليل من أشجار النخيل المتبقية فيها ذات الإنتاجية المتدهورة جداً ، حيث يمكن تحويل هذه المنطقة إلى بساتين حديثة تزرع بطرق علمية صحيحة ، وتتخللها القرى السياحية ، وذلك بعد حفر شبكة من الأنهار والبحيرات فيها ، والتي يمكنها حل مشكلة انخفاض الأرض في تلك المنطقة من ناحية ، بما يتوفر من كميات كبيرة من التراب نتيجة حفر هذه الأنهار والبحيرات ، وما سترفعه من مستوى الأرض في تلك المنطقة ، وفي نفس الوقت فان هذه الأنهار ستخلص معظم تلك الأراضي من السبخ والأملاح ، بالإضافة إلى استعمالها في السقي والنقل النهري وما تضيفه إليها من جمال طبيعي لا يتوفر إلا في مناطق البصرة .

الوضع البشري لبصرة المستقبل :

بلغت نفوس البصرة في نهاية العقد السابع من القرن الماضي ، وقبيل الحرب العراقية الإيرانية ، حوالي المليون والربع ، ونتيجة للضغوط التي أوجدتها الحرب ، اخذ هذا الرقم بالتراجع بسبب هجرة الكثير من أهل المدينة إلى المدن الأخرى تجنباً للحرب ، حيث استقر بعضهم بشكل دائم أو شبه دائم هناك ، كما هاجر منها كثير من أهل المدن الأخرى الذين قدموا إليها قبل الحرب ، حتى لم يتبق من أهلها غير 650 ألف نسمة ، وبعد انتهاء الحرب بدأ كثير من سكنتها بالعودة إليها ، حتى وصلت نفوسها إلى 900,000 نسمة .

تشير الإحصاءات أن معدل الزيادة في النفوس في منطقة الشرق الأوسط هي الأعلى بين سكان العالم ، حيث يتضاعف أعداد البشر كل 24 سنة ، وبالرغم من إن الزيادة في نفوس العراق لا تمثل الحد الأعلى ، والتي تتركز في فلسطين ومنطقة الخليج ، إلا أن الزيادة في نفوس العراقيين هي فوق المعدل بقليل ، فقد تتضاعف نفوس العراق كل 22 سنة ، وهذا يعني أن نفوس سكان البصرة سيصل إلى مليونين نسمة خلال عقدين من الزمن ، إذا لم تحصل كوارث عاتية تؤثر على ذلك ، فإذا سار الوضع الاقتصادي بشكل جيد أو معتدل ، فان هجرة جديدة ستأتي إلى البصرة من المدن العراقية الأخرى ، لذا فان نفوس البصرة قد يتراوح بين مليونين ونصف إلى ثلاثة ملايين خلال نحو عقدين من الزمن فقط . وأي دراسة لتخطيط المدينة أو للوضع الاقتصادي والاجتماعي والمواصلات والخدمات بشكل عام يجب أخذ هذه الزيادة السكانية في الحساب .

مخطط مدينة البصرة المستقبلي

تشير الاحتمالات وكما أشرنا قبل قليل ، إلى أن نفوس البصرة سيتراوح بين مليونين ونصف إلى ثلاثة ملايين خلال مدة عقدين من الزمان فقط ، وذلك على ضوء الانفجار السكاني الذي سيحصل في المدينة ، لذا فان من الضروري جداً إجراء تخطيط مميز للمدينة كي تواكب هذا النمو السكاني ، والتقدم الصناعي والتجاري والزراعي والسياحي ، ولا نحتاج إلى هدم ما سنبنيه اليوم بعد عدة أعوام .

إن التوسع الذي حدث في البصرة خلال العقود الأخيرة كان عملية مسخ وتخريب لهذه المدينة الجميلة ، فقد أنشأت أحياء جديدة بدون تخطيط علمي ، ولم تتم مراعاة ابسط الأمور الهندسية في تخطيطها . وتم دفن كثير من الأنهر الفرعية بحجة إنها كانت غير نظيفة ، لما كان يلقى فيها من أوساخ ومياه المجاري ، وبدل من التفكير بتنظيفها وعدم رمي الفضلات فيها  قاموا بدفنها ، أو لحاجتهم إلى تعريض بعض الشوارع قاموا بدفن بعض تلك الأنهار ، أي إن الأجداد كانوا يحفروا الأنهار لتعمير المدينة وتجميلها ، ونحن نقوم بردم تلك الأنهار لمسخ هويتها وجمالها . إذ كانت تلك المناطق الجديدة التي تم بنائها عبارة عن مناطق سكنية خالية من الخدمات ، فلا أسواق ولا حدائق ولا رياض أطفال ، ولا ساحات لعب ولا مراكز ترفيهية أو صحية ، والمدارس فيها لا تسد اكثر من 10% من حاجة المنطقة ، لذا فانهم يعمدوا إلى إشراك كل أربعة مدارس في بناية واحدة ، ويضاعفوا عدد الطلبة لأكثر من الضعفين في كل فصل دراسي . كما إن هذه الأحياء أنشأت بشكل عشوائي ، فعند الحاجة لتوزيع بعض الأراضي على بعض الموظفين يتم اختيار قطعة ارض ثم توزع على المنتسبين ، وكوادر التخطيط ابعد ما تكون عن التأهيل ، وبعد إتمام توزيع تلك الأراضي يبدأ أصحاب الأراضي بعملية البناء ، وهم يفتقدون أي معلومات أولية عن قوانين البناء والشروط الهندسية ، وتبدأ المعانات الحقيقية ، وصعوبات النقل في شوارع غير معبدة ، وصعوبة الحصول على الماء اللازم لعملية البناء ، لان توزيع الأراضي يتم قبل إيصال الماء والكهرباء والمجاري وبقية الخدمات إلى المنطقة ، وبعد انتهاء البناء ويصرف عليها أصحاب البيوت كل مدخراتهم ، ويستدينوا من كل حدب وصوب ، ويضحوا بأحسن سنين عمرهم ، تبدأ البلدية بدفن الشوارع لتهيئتها إلى التعبيد في يوم ما ، ويكتشف أصحاب البيوت المساكين إن الشارع اصبح أعلى من مستوى البيت بمتر أو اكثر ، مما يجعل تلك البيوت مناطق منخفضة تجري إليها مياه الأمطار من الشارع ، كما وان المجاري لا يمكن ربطها بالمجاري العامة إذا تم عمل مجاري عامة ! لان مستوى البيوت أوطأ من مستوى تلك المجاري ، أما خدمات الكهرباء فهي كارثة حقيقية ، لان تقدير حصة البيت عند تأسيس الشبكة لا تساوي اكثر من 20% من الاستهلاك الحقيقي ، أثناء أيام الصيف والحاجة الماسة إلى التكييف ، لذا فان انقطاع الكهرباء يكون بشكل دوري على المناطق حتى يتمكنوا من الموازنة بين حصة البيوت وكمية استهلاكها ( هذا طبعاً قبل حرب الخليج الثانية) ، عدا انقطاع التيار بسبب سوء نصب وتصميم الشبكة ، وشبكة الماء تمثل كارثة اخطر ، فان انقطاع الماء هو الصفة الدائمة ، ويضطر المواطن إلى نصب مضخة لسحب الماء وإيصاله إلى البيت ، عندما تتكرم وتعطف وتتفضل مديرية الماء بفتح الماء إلي المنطقة بعد غياب يطول عادةً ، ويضطر الآخرون لنقل الماء على أكتافهم من البيوت المحظوظة التي تستطيع سحب الماء بواسطة المضخة !

أما مركز المدينة فقد اصبح أحد أطرافها وليس في منتصفها ، لان التوسع تم باتجاه الجنوب على الأكثر ، أي باتجاه مدينة الزبير . لذا يضطر الذي يريد الذهاب إلى المركز ، وكل شيء في المركز ، من الأعمال إلى المراكز الصحية إلى دوائر الدولة إلى الأسواق التجارية ، إلى التلفونات العمومية …الخ ، أن يقطع مسافة اكثر من عشرة كيلومترات بسيارات نقل تم اكتشافها في الآثار السومرية .

لعل أهم الواجبات المطروحة هي وضع تصميم هندسي وعلمي ، يشترك فيه جماعة من المهندسين ذوي القدرة على التخطيط ، لا مجرد حملة شهادات ، فالتخطيط موهبة قبل كونه شهادة ، واكثر الأعمال الخالدة صممها أناس موهوبون وليس من حملة الشهادات ، ويجب تأهيل المخططين بطريقة علمية عالية ، كما ويجب إشراك مجموعة من أعيان المدينة في إبداء رأيهم في التصاميم ، وكذا أصحاب الاختصاصات الأخرى كالطبيب والمدرس وعالم الطبيعة ومتخصصون في التلوث البيئي ، ومهندسون ذوي خبرة في شبكات الكهرباء والماء والتلفون والمجاري ودائرة البريد ، واحصائيون يمكنهم التنبؤ بما ستشهد المدينة من تطور سكاني ، واقتصاديون يمكنهم التنبؤ بالتطور الاقتصادي المحتمل ، والى آخر القائمة ، كل هؤلاء يجب مشاركتهم في وضع مخطط المدينة ، وتقام بعد ذلك ندوات يشارك فيها عامة الناس للإدلاء بأفكارهم وآرائهم .

تحديد المركز الرئيسي للمدينة ومراكز المناطق المختلفة : بعد إتمام مسح عام لمخطط المدينة ، يتم تحديد مركزها ، وكيفية ربطه بالشوارع والطرق الكافية التي توصله بأجزاء المدينة الأخرى ، بيسر وسهولة ودون حدوث اختناقات أثناء ساعات الازدحام . كما يجب اختيار مركز لكل منطقة ، تتوفر فيه الخدمات المختلفة من صحية أو ترفيهية أو خدمية حتى تخفف عن المركز الرئيسي ، ولا تضطر الناس إلى الانتقال لمسافات طويلة كل يوم .

تحديد المناطق السياحية : بينا أن المدينة مقبلة على مستقبل سياحي مهم ، فلا بد من تحديد المناطق السياحية فيها وما تحتاجه إلى فنادق ومطاعم وخدمات مختلفة ، وقبل القيام بعملية التخطيط ، ومن الواجب ترك مساحات من الأراضي الاحتياطية للتوسع على المدى الطويل ، فإذا كانت الإحصائيات تخمن عدد السياح سيكون بحدود مليوني شخص مثلاً خلال عقد من الزمان ، فيجب ترك مساحة فارغة تتسع لأربعة ملايين ، حتى تغطي الزيادة المحتملة في العقود الثلاثة القادمة على الأقل ، لانه ليس من السهل تغيير المنطقة وبناء مناطق أخرى إذا حصل توسع في المستقبل ، أما إذا تم ترك مساحات احتياطية فان التطور سيستفيد من تلك المساحات الاحتياطية التي لا يكلفنا تركها الكثير في الوقت الحاضر ، راجع بحث (المربع السياحي السكني الزراعي) وغيره من البحوث السياحية .

تحديد المناطق التاريخية والأثرية : هنالك مناطق تاريخية تميز تراث مدينة البصرة الحديثة ، من بيوت وشوارع وأسواق لا يمكن التفريط بها أثناء توسع المدينة . هذه المناطق يجب صدور قانون صارم يفرض المحافظة عليها ، ولا يجيز للدولة أو للمواطنين من تخريبها لمصالح طارئة أو شخصية ، وتكون لهذه الأماكن هيئة خاصة لحمايتها مستقلة في عملها ، ولا تصدر رخصة بناء أو تصليح ما أو فتح شارع جديد أو إقامة بناية حكومية أو غير ذلك ما لم تمر على تلك الهيئة .

كما وان هنالك مواقع أثرية يجب المحافظة عليها ايضاً ، وتحديدها وحراستها وعدم السماح بأية عملية بناء أو عمران تؤثر عليها ، وتكون هناك هيئة مسؤولة عنها ، يكون مقرها في مدينة البصرة وخاضعة إلى مديرية الآثار العامة في العراق ، وتكون لها صلاحيات وإشراف على تخطيط المدينة وتوسعاتها قبل إتمام التوسع ، ثم نتدارك الخطأ بقلع تلك الدور والمنشآت وما يؤدي ذلك إلى خسائر مادية ، ومشاكل قانونية وتخريب للآثار ، كما حدث في مدينة الزبير في عقد السبعينات من القرن الماضي ، عندما تم توزيع قطع أراضي على المواطنين ، وإنشاء مناطق سكنية جديدة ، وبعد قيام الكثيرين ببناء المساكن ، تداركت الدولة ذلك لأنهم اكتشفوا أن المنطقة أثرية .

تحديد المناطق النهرية والتجميلية : هناك الكثير من الأنهار القديمة التي تم ردمها بحجة وأخرى ، وهنالك انهار مهددة بنفس المصير ، وهنالك انهار دارسة بالإمكان استعادة حفرها ، كما وان هناك مناطق تصلح لحفر انهار جديدة فيها . لذا كان من الواجب القيام بدراسة شاملة لهذا الموضوع وإعطائه الأهمية القصوى ، وإصدار تشريعات لحماية هذه الأنهار ، وإعادة ما تم ردمه ، وتثبيت مواقع الأنهار المندرسة ، أو المناطق التي يمكن حفر انهار فيها بغية عدم التعرض لها ، ولتبقى مشاريع مستقبلية يمكن تنفيذها في يوم ما عندما تتوفر الإمكانيات لذلك .

تحديد مناطق الساحات والحدائق العامة : تعتبر الساحات والحدائق العامة متنفس المدينة ورئتها ، والمراكز التي يحتاجها الكبير والصغير ، وإحدى الظواهر الحضارية والجمالية للمدينة . لقد أهمل موضوع الساحات والحدائق العامة إهمالا شديداً أثناء التوسع الذي حصل في العقود الماضية ، لذا فان من الواجب مراعاة هذا الأمر عند وضع التخطيط الجديد ، بحيث لا تخلوا منطقة من عدد من هذه الحدائق والساحات ، وقد نضطر إلى هدم بعض الأجزاء المبنية لاقامة مثل هذه الحدائق ، ولكن ما زالت هنالك مناطق فارغة بين أجزاء المدينة يمكن استغلالها لهذا الغرض ، كما يمكن استغلال أطراف المدينة الحالية قبل مزيد من التوسع ، للإكثار من تلك الحدائق والساحات العامة ، كما وان هنالك مناطق فقيرة جداً ، وتشوه مدخل مدينة البصرة ، ولا تتناسب مع مركز المدينة التاريخي ومستقبلها ، كالأراضي المجاورة لشارع بغداد ، والممتد من ساحة سعد بن أبي وقاص وعلى طول الطريق في الشارع الذاهب إلى مدينة العمارة وبغداد ، إن هذه المناطق يجب إزالتها بالكامل ، وتعويض أهلها بأراضي ومساكن لائقة ، وتحويل معظم تلك المساكن والأراضي المتخلفة إلى حدائق وساحات .

تحديد المناطق السكنية : وبعد كل هذا يتم تحديد المناطق السكنية ، سواء الموجودة فعلاً أو التي سيتم بنائها في المستقبل ، ثم تحديد ما يجب إزالته منها لإنشاء المراكز الخدمية ، ويتم تخطيط المناطق الجديدة على أسس صحيحة تراعى فيها كل الأمور التي تطرقنا إليها وما لم نتطرق له ، حيث تخطط شوارعها ، وتوصيل مجاري المياه القذرة والماء والكهرباء والتلفون وبقية الخدمات قبل توزيع على المواطنين ، لان إقامة مثل هذه الخدمات سيكلف اقل بكثير من إنشائها بعد توزيع الأراضي أو بناء المساكن . فلا نحتاج إلى إعادة تبليط الشارع ، أو التعارض بين أعمال الخدمات كان يقطع كابلات التلفون من يحفر المجاري أو يقطع الاتصال الكهربائي من يبلط الشارع أو غير ذلك ، وتعمل قنوات خاصة لكل من الخدمات ، فلا ترمى كابلات التلفون في خنادق ويتم دفنها ثم عندما نحتاج إلى الصيانة أو تغيير الكابلات بكابلات أوسع نضطر إلى الحفر من جديد وإتلاف الشوارع ، وإزهاق أرواح الناس بمشاكل الحفر والإصلاح ، فإذا تم العمل وبشكل متقن من البداية ، ووضعت تلك الكابلات في أنابيب خاصة تحفظها من القطع والتلف ، حيث يمكن إصلاحها أو استبدالها بسحبها من تلك الأنابيب والمجاري الخاصة ، فان المحصلة أننا سنوفر الكثير من المال والجهد في المستقبل ، ونحصل على خدمات افضل ، ومدينة تقل فيها عمليات جرذان الحفر في كل مكان .

تحديد مناطق الخدمات العامة : عند تحديد الناطق السكنية يجب تحديد المناطق الخدمية لتلك المناطق ، حتى لا يحصل ارتباك من انتقال المواطنين من منطقة إلى أخرى بغية الحصول على مثل تلك الخدمات ، أو الاضطرار إلى إزالة جزء من المنطقة السكنية لإنشاء تلك المرافق الخدمية ، ولتوضيح ذلك ، فان كل عشرة آلاف شخص من السكان ، سيحتاجون إلى ما بين ثمانية إلى عشرة مدارس ابتدائية ، وقد جرت العادة ، أن وزارة التربية ، ونظراً لميزانيتها المحدودة ، تخصص مدرستين فقط إلى تلك المنطقة ، وبعد سكن الناس في المنطقة تواجه الوزارة المشكلة ، بان هاتين المدرستين لا تكفيان العدد الكبير من الطلبة ، لذا تضطر إلى وضع أربعة مدارس في بناية واحدة ، ثلاثة في النهار وواحدة مسائية ، هذا بالإضافة إلى أن عدد الطلاب في الفصل الواحد اكثر من الحد الأعلى الذي يستوعبه الفصل ، أو يستطيع المعلم من أداء واجبه فيه ، مما يجعل مستوى الدراسة هابطاً ، وإذا فكرت الوزارة بإنشاء مدرسة جديدة فإنها ستواجه معضلة عدم وجود ارض فارغة مناسبة لمثل هذه المدرسة ، وقد تضطر إلى شراء مجموعة من المساكن وإزالتها وإقامة تلك المدرسة ، مما سيزيد من كلفة البناء أضعاف مضاعفة ، أو بناء مدرسة في منطقة بعيدة عن تلك المنطقة ، مما يخلق صعوبات جمة إلى الطلاب ، ويعرض حياتهم للخطر ووقتهم إلى الضياع أثناء تنقلاتهم . بينما كان الواجب تحديد عدد المدارس واختيار المكان المناسب لكل مدرسة وروضة أو حضانة أطفال ، ثم تقوم ببناء ما تسمح لها ميزانيتها ، ويكون بإمكانها إنشاء المدارس الأخرى وبحسب الإمكانيات المتاحة في الوقت المناسب ، ما دامت الأرض موجودة .

لعل هذا لا يقتصر على المدارس فقط ، وانما يشمل كل مراكز الخدمات ، ففي إحدى المناطق على ما أتذكر ، كانت هناك حديقة جميلة تدعى حديقة غازي ، تم إنشائها أيام حكم الملك غازي رحمه الله ، وكانت واقعة خارج حدود البناء في تلك المنطقة ، وعندما تم التوسع في عقد السبعينات ، وبنيت المساكن حول تلك الحديقة ، وجدت الدولة إنها في ورطة ، لأنها لم تفكر في الخدمات عند عملية التوسع ، فلا توجد أسواق ولا مركز للشرطة ولا مدارس ولا مستوصف صحي والى آخر القائمة ، فما كان من البلدية إلا بتقسيم تلك الحديقة الجميلة بين تلك المؤسسات لإقامة بناياتها عليها .

هذا آمر لا يجب أن يتكرر في المستقبل ، فما نحتاجه للخدمات يجب تحديده مسبقاً ، وإذا كنا غير قادرين على بناء تلك المرافق في ذلك الوقت ، فعلينا ترك تلك الأرض فارغة إلى حين نتمكن من ذلك .

الوضع السياسي لمدينة المستقبل

مدينة البصرة هي ثغر العراق واكبر محافظات الجنوب ، ومن المؤكد إنها ستعود كأكبر محافظات العراق بعد بغداد ، ونحن ضد أي رأي قائل بان البصرة يجب أن تمتعها بأي استقلالية ، أو حكم مركزي ، أو كونفدرالية أو غيرها من المسميات . ولكن هنالك أمور يجب النظر إليها بطريقة موضوعية ، فالنظام الحالي (نظام المحافظات) الذي تخضع فيه المدينة لنظام مركزي في العاصمة ، ويتم تعيين المحافظ من قبل الحكومة المركزية في بغداد ، وكذلك نظام البلديات الذي يعتبر البلدية هي دائرة صغيرة تخضع إلى دائرة اكبر منها في العاصمة تدعى مديرية البلديات العامة ، وهذه تخضع إلى إحدى الوزارات في الحكومة المركزية . هذا نظام قد ورثناه من الدولة العثمانية سيئة الصيت ، ولم تجري أي تعديلات عليه غير تغيير اسم المحافظ بدل اسم التصرف ، واسم المحافظة بدل اسم المتصرفية ، بل والاسوء من هذا ، فان المدينة لم تشهد محافظاً واحداً وخلال عقود طويلة من أهالي المدينة ، يعرف أهلها ويفهم مشاكلها وما تعانيه من نواقص وسلبيات .

النظام الذي يسود معظم الدول المتحضرة في العالم ، هو أن المحافظ منصب يتم اختياره من قبل أهالي المدينة ، ولا تتدخل الحكومة المركزية في هذا المنصب من قريب أو بعيد ، كما وان المجلس البلدي يتم انتخابه من قبل أهل المدينة ايضاً ، بل وفي المدن الكبرى التي يكون فيها اكثر من بلدية واحدة يتم انتخاب المجلس البلدي من سكان تلك المنطقة ، فالمجلس البلدي لمنطقة (فلهم وهمرسمث) ، الواقعتان في لندن وعلى سبيل المثال يتم انتخابه من الناس المسجلين في هذه الرقعة من المدينة ، ولا يشاركهم حتى أهالي (جلسي أو بترسي) المجاورتان .

وعلى ضوء التجارب التي خاضتها الشعوب المتطورة ، نستطيع تطوير وضعنا السياسي ، والخروج من قمقم النظام العثماني البالي الذي وضعنا أنفسنا فيه ، وهذا سيخفف الأعباء الملقاة على الحكومة المركزية ، لذا فان الباحث يعتقد بتطبيق نظام المحافظات ، والتي نادت فيه الحكومة العراقية في عقد السبعينات ، لم تنفذ منه غير تغيير الاسم فقط ! ومن المؤكد أن هذا النظام يسري على كل المحافظات العراقية وليست البصرة فقط .

لعل تطبيق نظام المحافظات هذا سيزيد من التقدم العمراني والإصلاح الإداري لجميع مناطق العراق ، فالمحافظ منتخب من قبل أهل المدينة ، ولذا فان ولائه واهتمامه بالمدينة سيكون اكبر ، وليس إرضاء الوزير (الفلاني) أو المسؤول (الفلتاني) ، والذي عينه في هذا المنصب ، كما وانه من سكان المدينة ، ويعرف طموحات أهلها والمشاكل التي يعانون منها ، ولا يحتاج إلى فترة زمنية ليكتشفها ، وقد يكون قد تم عزله أو نقله قبل ذلك . وإذا استطاع إبداء كفاءة في حل مشاكل مدينته فانه سينجح في الانتخابات المقبلة ، والعكس بالعكس ، ونفس الشيء ينطبق على أعضاء المجلس البلدي .

نظام البلديات المستقلة هذا ، والمنتخب أعضائها من قبل أبناء المنطقة ، سيجعل بلدية البصرة بلدية ثرية وتستطيع إنجاز الكثير من المشاريع لسكان المدينة ، ولا تنتظر ما ستخصصه رئاستها في بغداد والتي تنتظر الوزارة التي تخضع لها والتي تنتظر بدورها ميزانية الدولة ، وتوزع المبالغ على المشاريع التي ترضي الوزير (الفلاني) أو المسؤول (الفلتاني) ، بدل من المشاريع التي تحتاجها المدينة فعلاً .

على ضوء هذا فان بلدية البصرة لا بد وان تكون من البلديات الثرية التي تستطيع إنجاز كلما تحتاجه المدينة من خدمات وتطوير للمدينة ، فالضرائب التي تأتى من الموانئ (لا نعني بهذه الضرائب ضريبة الكمارك طبعاً والتي تكون عائداتها إلى الدولة) ، فكل سفينة تدفع رسوماً على دخولها ورسوماً على مدة إرسائها ، وكل وسائط النقل تدفع ضرائب معينة بما فيه الشاحنات وسفن الشحن النهري ، والقطارات ، وجزء من تلك الرسوم هو من حصة البلدية . كما وان شركات النفط والمتواجد أكثرها في محافظة البصرة ، تدفع الكثير من الضرائب البلدية ، كإيجار الأرض التي تعمل فيها والبنايات التي تعود إليها وغير ذلك . وكذلك الضرائب التي تدفعها المصانع الكبيرة ، سواء كانت مملكة من قبل الدولة أو الشركات الأجنبية أو المحلية . هذا بالإضافة إلى الضرائب البلدية على المواطنين ، كضريبة العقار وإجازات البناء واستعمال الشوارع وما تدفعه المحلات التجارية ، والمصانع الأهلية والى آخر القائمة . هذا بالإضافة إلى حصة البلدية من ميزانية الدولة . كل هذه الضرائب ستمكن البلدية من القيام بواجباتها ، والقيام بالمشاريع التي تحتاجها المدينة